"الأردن الجديد": مؤامرة أم واقع؟!
!["الأردن الجديد": مؤامرة أم واقع؟! "الأردن الجديد": مؤامرة أم واقع؟!](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/22ae26e561ca2fe0c39e4b647a6bc22f.jpg)
طرأ تحول جذري على المنظور الرسمي الأردني في التعامل مع ملف الأشقاء اللاجئين السوريين. فبينما كانت المرحلة الأولى تستند إلى الجانب الإنساني والأخلاقي بدرجة كبيرة في استقبالهم والتعامل معهم، إلى حين ينتهي جحيم الحرب الدموية هناك؛ أصبحت القراءة الاستراتيجية الرسمية اليوم مغايرة تماماً، تستند إلى تقديرات المؤسسات الدولية فيما يخص تاريخ اللجوء الإنساني، وحالات الهجرة البشرية في العموم.
القراءة الرسمية الجديدة تتعامل مع مؤشرين رئيسين. الأول، أنّ فترة إقامة اللاجيئن والهاربين من الحروب تصل بالمعدل إلى 17 عاماً، ما يعني أنّنا نتحدث عن "إقامة طويلة الأمد". والثاني، أنّ نسبة من يعودون إلى بلادهم، في العادة، من اللاجئين، تصل فقط إلى 50 %، أي النصف.
المسؤولون الأردنيون سيحملون هذه "الرواية" ويذهبون بها بعد أيام إلى مؤتمر لندن. وهم يعوّلون كثيراً على تفهّم العالم والأوروبيين لحجم المشكلة الكبيرة التي يتعامل معها الأردن. ومع مسؤولينا -كذلك- أرقام التعداد السكّاني الجديد، وفيها أنّ هناك 1.3 مليون لاجئ سوري شقيق في الأردن، قرابة نصفهم سجّلوا للجوء والهجرة.
بالطبع، مثل هذه المعطيات من المتوقع أن تثير جدلاً عميقاً في الأوساط الإعلامية والسياسية؛ وهو أمر صحّي، بل مطلوب. فهناك من يصرّ على التمسّك بالنظرة المؤقتة، على قاعدة أنّهم ضيوف مرحّب بهم، ويمكن أن يغادروا في أي وقت، ويخشى من خطورة الحديث عن إقامة دائمة، وعن "إدماجهم"، وكأنّنا نقبل بتغيير الواقع الديمغرافي والمجتمعي للدولة.
هذا الهاجس مشروع ومنطقي، وبحاجة إلى تطويره لإعداد تصوّر سياسي وثقافي في كيفية التعامل مع هذه "المعضلة" الكبيرة. لكن، في المقابل، ذلك لا يكفي للتعامل مع التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الهائلة المترتبة على موجة الأشقاء اللاجئين السوريين، ومن الظلم أن يتعامل الأردن، وحيداً، بإمكانات شحيحة مع تكلفتها الكبيرة، بينما أوروبا بأسرها أصبحت تشعر بالقلق والتهديد على اقتصادها وهويتها من موجات اللاجئين، وبدأنا نرى مشكلات جمّة اجتماعية وأمنية، وحتى سياسية كبيرة ناجمة عن هذه المعطيات الجديدة، سنتطرق لها في مقالٍ لاحق.
المسؤول الأردني، برأيي، مضطر لأن يتعامل مع "الواقع الجديد"، وأن يأخذ بالاعتبار "السيناريو الأسوأ" (الإقامة الطويلة، واستقرار نسبة كبيرة)، وأن يطلب من المانحين تخصيص موارد لإقامة مؤسسة متخصصة باللاجئين السوريين، ودراسة تداعيات ونتائج ذلك على الأردن، وعليهم من مختلف المجالات، بخاصة أنّنا سنتحدث بعد أعوام عن جيل جديد من الأطفال تربى في الأردن، أو في مخيمات اللاجئين، وعاش فيها، وأصبحت هناك تبعات قانونية، مثل الوثائق الشخصية والمدنية، في ظل تخلّي النظام السوري بالكامل عنهم، وهم من يطلق عليهم متخصصون بالهجرات مصطلح "الجيل غير المرئي"!
هل نحن نحل مشكلات النظام السوري، بذلك، ونساعده على التخلص من "الكتلة السكانية" غير المرغوب فيها؟ بالطبع ليس ذلك المقصود. إنما نتعامل اليوم مع مشكلة لدينا نحن، بل بعبارة أدق معضلة متدحرجة؛ فهؤلاء بحاجة إلى عمل وبنية تحتية وموارد هائلة، حتى يتمكنوا من الحياة هنا، وإذا أغلقنا "سوق العمل" أمامهم، فسيتجهون بالضرورة إلى الجريمة طلباً للحدّ الأدنى من الحياة!
القصة معقّدة بكل تأكيد. لكن لو كان الحل السياسي أو حتى العسكري بيد الأردن؛ لما احتجنا إلى هذه المناظرة، بل كانت هناك خطط حقيقية لدى المسؤولين (كتبنا عنها سابقاً) لإيجاد مناطق آمنة في جنوب سورية، يقوم الأردن بتأمين المساعدات إلى هناك. وكادت هذه الخطط أن تبدأ، إلى أن حدث التحول الأخير في درعا فعطّل كل شيء تقريباً.
وللحديث بقية..
(الغد 2016-02-02)