محاور خطبة الجمعة المقترحة : الحضارة الإسلامية أساس للعيش المشترك
المدينة نيوز - نشرت وزارة الاوقاف عناصر مقترحة لخطبة الجمعة بتاريخ 5/2/2016م ، والتي حملت عنوان : "الحضارة الإسلامية أساس للعيش المشترك " .
وتاليا محاور الخطبة :
• أنعم الله تعالى على البشرية بدين الإسلام الذي انبثقت منه الحضارة الإسلامية التي ترتكز على أسس مستمدة من عقيدة الإسلام وتشريعاته ، ومن أهم هذه الأسس أن الدين الإسلامي الحنيف هو امتداد للشرائع السماوية السابقة ولرسالة الأنبياء السابقين ، أوحى به الله تعالى على نبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين ، فقال الله تعالى : ( شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) ) سورة الشورى .
• لقد ضم المجتمع الإسلامي منذ انطلاق رسالة الإسلام كل من يعيش في رحابه بظلال السماحة والتعاون والمحبة والوئام وبكل راحة وطمأنينة ، ذلك أن رسالة الإسلام هي رسالة دعوة ورحمة ؛ قال الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107 ) ) سورة الأنبياء ، ويتجلى ذلك واضحا من خلال هذا الموقف من نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كسرت رباعيته وشجّ رأسه يوم احد شق ذلك على أصحابه شديدا وقالوا: لو دعوت عليهم ؟ فقال : ( إني لم أبعث لعانا ، ولكني بعثت داعيا ورحمة . اللهم اهد قومي فإنه لا يعلمون ) .
• تذكر لنا سيرة النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صحيفة المدينة التي تعتبر أول دستور لمجتمع المسلمين في المدينة المنورة ، وكيف عملت هذه الصحيفة على دمج أبناء المجتمع وتحميلهم مسؤولية بناء المجتمع وتحديد حقوقهم وواجباتهم برغم اختلاف المعتقد والدين ، وقد وعى الصحابة الكرام من بعده صلى الله عليه وسلم هذا البعد الحضاري للمجتمع الإسلامي ، فعند فتح بيت المقدس في زمن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فإنه لم يواجه الكنائس والبيع بالتهديد والهدم والتفجير ، بل جاء نص العهدة العمرية يقول : ( هذا ما أعطى عبدالله عمر أمير المؤمنين أهل إيليا من الامان , اعطاهم اماناً لأنفسهم واموالهم وكنائسهم وصلبانهم ... ) ، تأكيدا على تمازج مكونات المجتمع الإسلامي والتقاء أفراده على تحقيق حضارة إنسانية متميزة ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) ) سورة الحجرات .
• الهدي النبوي الشريف يعلم المسلمين أن يتعاملوا مع غيرهم بمبدأ الدعوة إلى الله تعالى؛ لعل ذلك أن يكون سبيلا الى هدايتهم ، ذكر ابن سعد في الطبقات الكبرى :- ان يهودياً قال : ما كان بقي شيء من نعت – أي وصف – رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة إلا رأيته إلا الحلم ، واني اسلفته ثلاثين ديناراً الى اجل معلوم وتركته حتى اذا بقي من الاجل يوم اتيته فقلت يا محمد اقض حقي فإنكم معاشر بني عبدالمطلب مطل ، فقال عمر : أما والله لولا مكانه لضربت الذي فيه عيناك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غفر الله لك يا ابا حفص ، نحن لغير هذا منك احوج ، الى ان تكون امرتني بحسن القضاء وأن تأمره بحسن الطلب ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لليهودي : يا زفر انما يحل حقك غداً ، ثم قال : يا ابا حفص اذهب به الى الحائط فإن رضيه فأعطه كذا وكذا صاعاً وزده لما قلت له كذا وكذا صاعاً فان لم يرض فأعطه ذلك كذا وكذا ، فأتى به الحائط فرضي ثمره فأعطاه ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أمره من الزيادة ، قال : فلما قبض اليهودي ثمره ، قال أشهد أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم صفته في التوراة كلها إلا الحلم فاختبرت حلمه اليوم فوجدته على ما وصف في التوراة وإني اشهدك ان هذا الثمر وشطر مالي في فقراء المسلمين فقال عمر: فقلت أو بعضهم ، قال أو بعضهم ، وأسلم أهل بيت اليهودي كلهم .
• ومن هديه صلى الله عليه وسلم وهو سيد الدعاة ونبي الرحمة أن علاقته وزياراته وتواصله مع الناس في مجتمع المدينة المنورة لم يكن ليقتصر على أصحابه فقط ، بل على مكونات المجتمع ومن يعيش في كنفه ، فكان يزور مريضهم من غير المسلمين ويعزي بميتهم ويعين محتاجهم ، بل ذهب الأمر إلى أبعد من ذلك عندما وافق لغلام يهودي بأن يكون خادما للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : ( أَنَّ غُلَامًا مِنَ اليَهُودِ كَانَ يَخدُمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَمَرِضَ ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ ، فَقَعَدَ عِندَ رَأسِهِ ، فَقَالَ : أَسلِم . فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِندَ رَأسِهِ ، فَقَالَ لَه : أَطِع أَبَا القَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَأَسلَمَ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ : الحَمدُ لِلَّهِ الذِي أَنقَذَهُ مِنَ النَّارِ ) . كما كان أنه استجاب لدعوتهم عندما دعوه إلى تناول الطعام ، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة أن امرأة من اليهود أهدت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاة مسمومة فأكل ، فقال لأصحابه : أمسكوا فإنها مسمومة ، وقال لها : ما حملك على ذلك ؟ قالت : أردت إن كنت نبيا فيطلعك الله ، وإن كنت كاذبا فأريح الناس منك ، قال : فما عرض لها . ومن طريق أبي نضرة عن جابر نحوه فقال : " فلم يعاقبها " .، وروى البخاري عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية فمروا عليهما بجنازة فقاما فقيل لهما إنها من أهل الأرض أي من أهل الذمة فقالا إن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام فقيل له إنها جنازة يهودي فقال : ( أليست نفسا ) .
• المجتمع الإسلامي ينظر إلى من يعيشون في كنفه على أساس الحقوق والواجبات ، لا على أساس التمييز بينهم ، فصاحب الحق أو المظلوم ينتصر له حتى وإن كان غير مسلما فيرد إليه حقه او يرفع عنه الظلم ، وقد سطر القرآن الكريم في آياته موقفا عظيما أنصف فيه غير المسلم وأعطاه حقه وأدان المسلم وزجره ، ذلك أن رجلاً من المسلمين سرق درعاً فلما خاف أن تظهر عليه رمى بها في دار يهودي فلما وجدت الدرع أنكر اليهودي أن يكون أخذها ، واستعان السارق بقومه على اليهودي فغلب على ظن النبي صلى الله عليه وسلم أن اليهودي قد سرقها إذ شهد شهود بذلك ووجدت الدرع في بيته ، وهذه كلها قرائن قوية ، ولكن القرآن الكريم ينزل منتصراً لليهودي على المسلم قائلاً : ( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً ) النساء (105) .
• إنَّنَا مَدْعُوونَ إلَى إبرازِ الصورةِ الصَّحيحةِ والمشرقةِ لتعاليمِ دينِنَا، فقَدْ جاءَ بالرَّحمةِ والإحسانِ للإنسانيَّةِ جمعاءَ، ولاَ يمكنُ أنْ تستقيمَ الحياةُ بدونِ تعايشٍ سلمِيٍّ وتعاونٍ بَنَّاءٍ بيْنَ أبناءِ المجتمعِ الواحدِ وبيْنَ أفرادِ الإنسانيَّةِ جميعاً، فالإسلامُ يدعُو إلَى حُسْنِ الصِّلةِ والإحسانِ إلَى الآخرينَ برغْمِ اختلافِ الدِّينِ ، فعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضيَ اللهُ عنْها قَالَتْ: " قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: ( نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ).
• لقد خط الأردن على طريق الحضارة والتقدم ما عزز قيم التسامح والتآخي والتواصل والحوار بين أبناء الوطن الواحد ، حتى بات ربيع الأردن نموذجا يحتذى به ومضرب المثل في ذلك ، في الوقت الذي يشهد فيه العالم العربي عددا من التحولات الاستثنائية والأزمات ، الأمر الذي يؤكد قدرة الأردن على امتلاك مقومات النهضة والتطور والرقي الحضاري ، مما يعزز وحدة المجتمع وتعاضد أبنائه وتعاونهم على ما فيه خير وأمن واستقرار الوطن ، وإيجاد بيئة اجتماعية وثقافية متميزة عنوان الحياة فيها التلاحم بين جميع مكونات المجتمع الذي دعا كل مواطن إلى أن يعمل بجد وصدق انتماء ، والإسهام في تحصين المجتمع من الفكر المتطرف والغلو والإرهاب .
• ما أحوج أبناء المجتمع الواحد والوطن الواحد إلى تعزيز نقاط الالتقاء وتجسير الهوة بشأن نقاط الاختلاف واحترام الخصوصيات ، والعمل على ترتيب الاولويات ومن اهمها تعزيز قيم المواطنة والتسامح والتعاون وتحريم الاعتداء المعنوي والمادي بين افراد المجتمع ، قال الله تعالى : ( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) ) سورة المؤمنون ، وقال تعالى : ( وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) سورة الأنفال .