أول الهجوم صبراتة
![أول الهجوم صبراتة أول الهجوم صبراتة](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/33cf6e1e7c67a1ee3190fc82ae0d3afc.jpg)
الضربة الأمريكية على معقل للإرهابيين في مدينة صبراتة الليبية يرجح أنها أولى بوادر الهجوم الدولي على الجماعات المتطرفة في مختلف أنحاء ليبيا. فقد قالت أولى التقارير إن أغلب الذين قتلوا إرهابيون تونسيون، بعضهم مسؤولون عن الهجمات التي روعت تونس في مدينتي باردو وسوسة، وقصمت ظهر اقتصادها المتهالك.
لقد أصبحت صبراتة التي لا تبعد إلا مسافة 70 كيلومتراً عن الحدود التونسية معقلاً كبيراً للإرهابيين منذ أن دخلتها عصابات متشددة الخريف الماضي، وما زالت إلى الآن خاضعة لسلطات ميليشيات «فجر ليبيا» الداعمة للحكومة القائمة في طرابلس. ولا داعي للتساؤل عن العلاقة بين هذه الميليشيات والجماعات الإرهابية السابحة في فضائها، كما لا داعي أيضاً للتوهم في أن القضاء على الإرهاب لا يستدعي تدخلاً عسكرياً دولياً وفق خطة مضبوطة سلفاً ومحددة التوقيت والأهداف. فطبيعة العدو هي التي تفرض نوعية المواجهة وحجمها وقدراتها. والإرهاب المستوطن في ليبيا ليس قضية داخلية فحسب، بل إن الجماعات المتطرفة التي تتجمع وتتدرب وتخطط وتجرب الصواريخ «بعيدة المدى» لا تضمر خيراً لليبيين وغيرهم. ففي هذه الأيام تتوالى التأكيدات لتدخل عسكري صاعق لضرب تنظيم «داعش» الإرهابي وفروعه، بينما تعمل هذه التنظيمات على تحصين عناصرها وتبني «طرقاً خضراء» للفرار إذا اشتد عليها الهجوم. ويمكن تفهم أي ضربة عسكرية خارجية مفاجئة على أي موقع يتحصن فيه إرهابيون، ولكن الريبة تكون حين تعلم دول الجوار الليبي والدول الغربية ما يدور ويتفاعل، ولا تتدخل بالسرعة المطلوبة لقطع رأس الخطر قبل أن يكبر وتتعاظم تهديداته.
كثير من الليبيين ودول الجوار الليبي وعديد الأحزاب فيها تتوجس من خطط التدخل العسكري الغربي، ومعها كل الحق، لأن كل المصائب التي حلت بليبيا والمنطقة العربية عموماً كانت بسبب التدخلات الغربية والأمريكية على الخصوص، لأنها تدخلات لم تكن ترعى إلا مصالحها بعدما داست على شعوب المنطقة، وتلك التدخلات هي التي صنعت «الفوضى الخلاقة»، وصنعت «الربيع العربي»، وأذكت الفتن القبلية والطائفية وأعادت كل المنطقة إلى ما قبل الاستعمار الغربي في القرن التاسع عشر. ولكن يبدو أن كل تلك الحسابات قد سقطت، فبعد الاعتداءات الإرهابية التي ضربت فرنسا في مناسبتين العام الماضي، وتصاعد «الإرهابوفوبيا» في الغرب والتدخل الروسي في المنطقة، فرضت كلها على الغربيين أن يعدلوا استراتيجياتهم، فبدل الفرجة على المنطقة تتآكل وتتفتت، ها هم يهرعون جميعاً لضرب الجماعات الإرهابية لحماية أمنهم. لقد أصبح يقيناً لدى جميع صناع القرار في الغرب، أن عدم استقرار شمال إفريقيا والشرق الأوسط لن يمنح أوروبا الأمان، ولن تهنأ بشيء طالما أن غيلان الإرهاب يمكن أن تفاجئها من البحر المتوسط، أو أن تفتك بمصالحها الواقعة وراء ضفته الجنوبية.
كل المؤشرات تؤكد أن الغرب في ورطة أكثر من المنطقة العربية، وهذه الورطة تسمح للدول العربية أن تدافع عن مصالحها وتنتزع موقعاً يسمح لها بالمساهمة بفعالية في إدارة أزمات المنطقة وترتيب أوضاعها. وهذا ما تقوم به دول الجوار الليبي، مثل تونس والجزائر ومصر، فهذه الدول ترغب في القضاء على الإرهاب، لكنها ترغب في استقرار ليبيا أكثر، فلولا الفراغ الأمني الهائل الذي سببته الحرب غير المدروسة على نظام القذافي لما حصلت هذه الكارثة. وبناء على التجربة المريرة، فيجب ألا يساهم أي تدخل جديد في تعميق الحفرة، والشعب الليبي الذي خدع في أغلبه بما سمي «ثورة» من حقه أن يستعيد عافيته، وأن يساعده المجتمع الدولي على تدارك ما ضاع منه في سنوات الخراب الشامل التي مرت عليه.
(المصدر: الخليج 2016-02-20)