العراق: مرحلة خلط الأوراق.. هل بدأت؟
![العراق: مرحلة خلط الأوراق.. هل بدأت؟ العراق: مرحلة خلط الأوراق.. هل بدأت؟](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/c2339cfafabdf8fc2d1cbc58a10a7b35.jpg)
ثمّة أجواء «انقلابية» يعيشها العراق هذه الأيام، ليس كما كانت الحال عليه، عشية تحرّك الدبابات في شوارع بغداد وخروج أسراب الطائرات الحربية من قاعدة الحبّانية للتمهيد بقرب الإعلان عن البيان رقم «1»، بل هي الآن، وكما (دَرَجَ) العراق عليه منذ الغزو الأميركي البريطاني له، قبل ثلاثة عشر عاماً من الآن، تأخذ طابع الصراع السياسي بين نُخِبه ومكوناته السياسية، التي لم تستطع رغم دعم واشنطن لهؤلاء الذين جاءوا على ظهور الدبابات الأميركية, حاملين شعارات الحرية والديمقراطية للشعب العراقي، أن يوجِدوا في ما بينهم, «خريطة» طريق تُبعِد العراق عن التجارب المريرة التي عاشها وتأخذه إلى فضاء الديمقراطية والتعددية والمنافسة السلمية عبر صناديق الاقتراع التي عابوا على النظام السابق افتقاره لها.
وقائع الايام العراقية، الدموية والقاسية, التي أوصلت بلاد الرافدين إلى هذه الأوضاع الكارثية، تشي بأن البلاد «تُساق» إلى ما أُريد له أن يُطبّق في العراق، منذ نجاح الامبرياليين الأميركيين في احتلاله, وهو تقطيع أوصاله وتقسيمه طائفياً ومذهبياً وعِرقياً, كي يكون المثال والتجربة التي ستُطبّق على باقي الشرق العربي، كي يتم كسر شوكة أهم وأقوى دولتين مركزيتين فيه (العراق وسوريا)، وبما يحول دون «عودة» العرب إلى «الشعارات» الصحيحة والخطاب الوحدوي الذي ساد مرحلة التحرّر الوطني العربي، وخصوصاً بعد فشل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وبروز القاهرة موئلاً لأحرار العرب وقائداً لحركة التحرر الوطني العالمثالي، والاحتمالات الماثلة للالتفاف حول الهوية الوطنية والقومية ورفضاً للاستعمار واعوانه في المنطقة, وتوقاً الى تجسيد مشاريع التكامل والوحدة في الاقتصاد والمواصلات والأيدي العاملة والمشاريع التنموية الكبرى.. ودائماً في اعتبار فلسطين البوصلة التي تحُكم مسار الانظمة العربية وتحدّد جديتها في التصدي للمشروع الصهيواميركي في رفض الهيمنة والأحلاف العسكرية ومفاوضة إسرائيل او الاعتراف بها.
قد يكون كل ما قيل أعلاه بات من الماضي، وبخاصة بعد ان عصفت الخلافات العميقة والأحقاد الدفينة وسياسات الثأر وتصفية الحسابات، بما تبقى من إرث «وحدوي» ولو كلامي في الفضاء العربي.. إلاّ أن «الحنين» إلى ذلك الزمن الجميل, لا يعني أن الطريق الى استعادته باتت قريبة، رغم الهزائم المتلاحقة التي لحقت وتلحق بالمشروع الاستعماري, الذي وصل ذروته اوائل العقد الحالي من هذا القرن، ونقصد اندلاع ما وُصِفَ زوراً وتزويراً بالربيع العربي، والذي ما لبث ان بدأ بالانحسار، رغم حِدّته وضراوته واذاه, الذي ما يزال ملموساً في اكثر من ساحة عربية ويأخذ مثله الأعلى في سوريا، حيث الحرب الكونية التي تُشارِك فيها اطراف ودول وتنظيمات، لم يكن المرء ليُصّدِق او يتصور ان كل هذا «الطيف» يُمكن ان يلتقي، كي يأخذ على عاتقه مهمة تدمير سوريا وتشريد شعبها وتقسيمها على نحو اسوأ من «ثلاثية الاقاليم» التي بشّرنا بها نائب الرئيس الاميركي جون بايدن مُبكراً في العراق.
ما علينا..
وصلت حكومة حيدر العِبادي الحالية، الى مأزقها الاخطر، وبات الهجوم عليه مُتعدِد الاتجاهات والاهداف، بين من يدعوه الى «إعادة» تشكيل حكومته, على نحو تكون فيه حكومة تكنوقراط خالصة (ألم يقولوا لنا عندما شكل حكومته الاولى انها تكنوقراطية، رغم ولادتها العسيرة؟) وبين من يدعو الى ان يشمل التغيير العبادي نفسه، فضلاً عن دعوات خرجت مؤخراً تنادي بتشكيل حكومة «اقطاب»، تأخذ على عاتقها مهمات اخراج العراق من أزماته المتعددة, معيشية ومالية واقتصادية وخدماتية وخصوصاً في «تحرير» المناطق التي يسيطر عليها «داعش» وفي رفض الوجود العسكري التركي الذي يتمركز في «بعشيقة»، بذريعة محاربة داعش، فيما الهدف الحقيقي هو ايجاد موقع له على طاولة تقسيم العراق، سواء عبر إشهار اقليم «سُنِّي» في غربي العراق, تكون الموصل عاصمته (وما ادراك ما الموصل في الاجندة العثمانية الجديدة والقديمة أيضاً) أم في تعزيز الانقسام المذهبي على نحو يحول دون «عودة» العراق مُوحَداً او اكثر وحدة مما كان عليه حتى الان (منذ العام 2003).. فضلاً عن «تهديد» العبادي بالاستعانة بـِ «روسيا» إذا لم ينسحب الاتراك من العراق!
ليس في العراق أحد–إلاّ قِلّة–لا يعترف بأن الحكومات فيه، منذ الاحتلال الاميركي حتى الان، لم تقم، إلاّ على أسس طائفية ومذهبية, وأن الفساد والمحاصصة وتقريب الازلام والمحازبين كان السمة الاساسية لمرحلة ما بعد إسقاط النظام السابق، كذلك هي حال ثقافة الإقصاء والتهميش والاجتثاث وتصفية الحسابات وعقلية الثأر والانتقام التي سادت طوال ثلاثة عشر عاماً، فضلاً عن الضعف الخطير في الاداء وإدارة الدولة بمراهقة ولامبالاة واضحة والتساهل في حماية المال العام وتطبيق العدالة ودعم سلطة إنفاذ القانون التي «تميزت» بها تلك الحكومات.
فهل سيتمكن العِبادي من اجتراح معجزة، لإخراج العراق من أزماته والمخاطر «الوجودية» التي تواجهه على اكثر من صعيد؟ في ظل احتمالات ماثلة بأن حرباً اقليمية مُدمرة قد تقع (بافتراض ان الرجل سيبقى في موقعه)؟.. وخصوصاً إلامَ سيفضي الصراع على الدور بين الحشد الشعبي»المُتوترة علاقته مع العِبادي نفسه» والآخر المسمى الحشد الوطني»الذي يحظى برعاية تركية عربية»؟
الأيام ستقول...فيما يبقى سؤال «تحرير الموصل».. مُعلّقاً الى حين.
(الرأي 2016-02-21)