انتخابات 2016: هل الحرية تلهم الأردنيين؟
![انتخابات 2016: هل الحرية تلهم الأردنيين؟ انتخابات 2016: هل الحرية تلهم الأردنيين؟](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/d6bbc6f5c05a93388b5b940399b8ca4a.jpg)
كانت القيمة الملهمة التي أنشأت الديمقراطية في الغرب هي الحرية، والتطلع إلى الحرية. ويعتقد الغرب، بناء على تجربته، أن الحرية أهم دافع ومحرك للشعوب. لكنها مقولة تبدو في الأردن والدول العربية موضع جدل، أو تحتاج إلى فحص، برغم أن استطلاعات الرأي العالمية تؤشر إلى أن الشعوب العربية تبدي حماسا وتشجيعا للديمقراطية بنسبة مرتفعة أكثر من غيرها من الشعوب والأقاليم، وبدا في "الربيع العربي" أن الشعوب العربية تتطلع بلهفة إلى حريتها، وتستعد للتضحية من أجل ذلك. إلا أن نتائج الانتخابات العامة التي أجريت في الأردن ودول عربية أخرى، تؤشر إلى أن الحوافز المحركة في الانتخابات ونتائجها هي الدين والقرابة والطائفية والعرقية والجهوية، فيما تبدو موضوعات الحريات والإصلاح والتنمية وتحسين الحياة والأداء العام والإنفاق العام، غائبة عن الانتخابات ونتائجها.
مؤكد أن ثمة شعورا جارفا بالظلم، يحرك المشاركة العامة بكل مستوياتها وأشكالها، لكن لا يبدو ثمة رؤية واضحة للعدالة. وهناك قدرة ورغبة في الاحتجاج أو المعارضة أو المشاركة، لكن الديمقراطية، بما هي مباراة أو منافسة سلمية وتشاركية، تبدو غائبة أو قليلة الحضور، هي أقرب إلى لعبة صفرية يلغي أحد الطرفين فيها الآخر، أو هي شكل آخر للمعركة المسلحة، كأن الناخبين يذهبون إلى الصناديق لأجل سحق المنافسين!
يلاحظ فرانز روزنتال في كتاب "مفهوم الحرية في الإسلام" (ترجمة رضوان السيد ومعن زيادة)، أن تعريف "الحر" و"الحرية" عند المؤلفين المسلمين بدأ بأن الحر من ليس عبدا (عكس الرقيق)، وتبدو "الحرية" أحيانا بمعنى ضد السجن. لكن التطبيقات الإسلامية أكدت على حرية العمل وحرية الكسب... وعرف المجتمع الإسلامي السخرة، وإن كانت ممقوتة، ورآها ابن خلدون تضر بالناس ومصالحهم.
وتعد الفردية أو الفردانية من أهم مؤشرات الحرية، لكنها لم تتحول بعد إلى حالة راسخة في المجتمعات الأردنية، برغم التحولات السياسية والاقتصادية المنشئة للفردية (يفترض)، بل وتعد مذمومة، وترد في الأدبيات والثقافة السائدة على أنها أمر سيئ! لكن في غياب الفردية يصعب تصور التنافس الانتخابي الحرّ!
ربما يكون الفارابي، والذي يصفه خاتمي في كتابه "الدين والفكر في شراك الاستبداد" بأنه أبو الفلسفة الإسلامية، أوضح من قدم مفهوم الحرية أساسا لحياة الناس واجتماعهم، في وصفه للمدن (المدينة تعني الدولة والمجتمع، وفي العبرية مدينات إسرائيل أي دولة إسرائيل). فيذكر مدينة الجماعة؛ وفي هذه المدينة يكون الناس أحرارا، وهم متساوون ولا فضل لأحد على آخر. والرجل العظيم في نظر أهل هذه المدينة من يمنح الناس الحرية ويحمي المدينة من الأعداء ويمنع الناس من اعتداء بعضهم على بعض.
مؤكد بالطبع أن الحرية تمثل قيمة عليا لدى الأردنيين. لكن الفكرة هنا هي تحويل الحرية إلى برامج وتطبيقات عملية واضحة في حياة الناس وشؤونهم، ومن ثم أن تكون أساسا للتنافس السلمي على السلطة والمعبر عنها بالانتخابات النيابية؛ ففي غياب قيم الحرية والمصالح الناشئة عنها، يغيب أيضا معنى الانتخابات وجدواها، أو تعمل ضد نفسها.
(الغد 2016-02-24)