سوريا: الشكوك تحيط بوقف إطلاق النار
![سوريا: الشكوك تحيط بوقف إطلاق النار سوريا: الشكوك تحيط بوقف إطلاق النار](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/aacea6181845277f9f1595eb4818b20b.jpg)
يمكن اعتبار اتفاق “وقف إطلاق النار” في سوريا، والذي يدخل حيز التنفيذ اعتبارا من السبت، أحد أكثر الاتفاقيات تعقيدا وإبهاما في تاريخ النزاعات المسلحة. فهذا المصطلح، الذي يبدو شديد الوضوح، ويعني التوقف التام عن القتال، لا ينطبق على سوريا التي ستشهد استمرارا للمعارك والقصف مع دخول الاتفاق حيّز التنفيذ، وذلك بسبب استثناء تنظيم داعش وجبهة النصرة المتواجدة في مختلف مناطق المعارضة من الاتفاق.
وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها أميركا وروسيا من أجل إحداث اختراق حقيقي في الملف السوري، لكن الصورة تبقى مبهمة إلى حد بعيد، كما أن تصريحات مسؤولي الإدارة الأميركية، وعدد من القادة الأوروبيين، لا تشي بالكثير من الوضوح.
الرئيس الأميركي باراك أوباما أكد قبل سريان الاتفاق بيوم واحد فقط أن الأيام المقبلة ستكون “حاسمة” بالنسبة إلى سوريا، محذرا النظام السوري وحليفته روسيا من أن العالم “سيراقب بانتباه” احترام تعهداتهما بشأن وقف إطلاق النار. وقبله كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري قد عبّر عن شكوك عميقة في نجاح وقف إطلاق النار ودفعه ذلك إلى الحديث عن خطة بديلة.
قد تكون “الخطة البديلة” غير موجودة على الإطلاق وما الحديث عنها إلا لممارسة بعض الضغوط على روسيا. تقبع الولايات المتحدة حاليا في موقف دبلوماسي وتفاوضي ضعيف للغاية، إذ أن تطبيق اتفاقياتها الموقعة مع روسيا يتوقف على سلوك النظام السوري ونوايا موسكو، وليس بوسع واشنطن سوى المراقبة وانتظار النتائج.
الأسد من جهته يبدو شديد الوضوح في أنه لن يغير من سلوكه ولن يعترف بوجود المعارضة المسلحة وسيواصل القتال والقصف العشوائي للمدنيين. وبالطبع، فهو يأمل في أن يجد ما يكفي من الثغرات في الاتفاق الروسي الأميركي، بحيث يتمكن من تحسين وضعيته الميدانية. وأفضل مثال على ذلك ما أعلنه من أن وقف إطلاق النار لن يشمل مدينة داريا لوجود جبهة النصرة فيها. ورغم عدم وجود جبهة النصرة في داريا تحديدا، يمكن للنظام السوري إدعاء ذلك في العديد من المناطق التي تتواجد فيها النصرة.
من جهتها، توبّخ روسيا الأسد عبر فيتالي تشوركين، مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، من دون أن تتضح الصورة، فهل صدر التوبيخ بسبب صراحة الأسد ووضوحه غير المبرر، أم لوجود اختلاف حقيقي في رؤية الصراع السوري.
لكن الأسد يزيد من تعقيد المشهد وذلك بإعلانه عن موعد إجراء الانتخابات البرلمانية في أبريل القادم دون انتظار نتائج اجتماعات جنيف. ولفك طلاسم هذه العقدة الجديدة، نحن أمام احتماليْن: الاحتمال الأول هو من المرجح أن يكون الأسد قد نسق هذه الخطوة مع روسيا، وذلك أمر معتاد ضمن استراتيجية فلاديمير بوتين السياسية والتفاوضية التي تحاول دوما أن تتقدم خطوة عن الخصوم الدوليين في ما يخص النزاع السوري. بإعلان موعد الانتخابات البرلمانية، يمكن للرئيس الروسي أن يقول لجون كيري إن روسيا أيضا لديها خطة بديلة.
الاحتمال الثاني هو أن الخطوة جاءت بإرادة الأسد المنفردة لممارسة الضغوط على روسيا والقول، بصورة يائسة، إنه لا يزال قادرا على اتخاذ قرارات تخص النظام السوري الذي يشكل أساس وجوده. الخطوة الانفرادية للأسد تعني أنه يعاني أيضا من الشك وانعدام اليقين كجميع اللاعبين في الشأن السوري. ومصدر ذلك الشك هو التقارب المريب بين روسيا والولايات المتحدة واتخاذ الجانبين خطوات منفردة بمعزل عن النظام السوري.
الأكثر خطورة بالنسبة إلى نظام الأسد هو تجاوب روسيا مع الضغوط الشديدة التي مارستها الولايات المتحدة لدفع محادثات السلام، والتي أدت للتوصل إلى القرار 2254، ومن ثم، وهو الأهم، تطبيق ذلك القرار وبشكل خاص إيصال المساعدات ووقف إطلاق النار. لو ترك الأمر للنظام السوري، أو لو قدّر له أن يكون شريكا في اتخاذ القرار مع روسيا، لم يكن ليقدم تلك التنازلات المؤلمة.
يتواصل الشك وانعدام اليقين بسبب اتفاق روسيا وأميركا على تطبيق وقف إطلاق النار عبر فتح خط ساخن وتشكيل لجنة مشتركة من الخبراء تحدد المناطق التي يشملها الاتفاق. ومن المرجح أن الاتفاق يحتوي على بنود وآليات لم يجر إعلانها من قبل الجانبين، وهو ما استدعى تغييب مجموعة دعم سوريا عن الاتفاق. أدى كل ذلك إلى صعود مستوى الخوف والترقب لدى النظام السوري إلى مستويات غير مسبوقة، فاندفع لإطلاق تصريحات استفزازية يحاول من خلالها إشعال النيران بالاتفاق المبرم، لكن روسيا تكفّلت في كل مرة بإخمادها.
هكذا، لا يمكن الجزم بحدوث اختراق سياسي على صعيد إنهاء الصراع في سوريا لمجرد أن توصلت الولايات المتحدة وروسيا إلى اتفاق شديد الأهمية، هو وقف إطلاق النار. لكن الاختراق الفعلي سيكون في الانتقال إلى حيّز التنفيذ، بحيث يؤدي بالفعل إلى “تغيير الأزمة السورية بصورة جذرية” كما صرح فلاديمير بوتين في خطابه الذي تلا إعلان “وقف إطلاق النار”.
(المصدر: العرب 2016-02-27)