من يتراجع أولاً .. العِبادي أم الصدر؟
![من يتراجع أولاً .. العِبادي أم الصدر؟ من يتراجع أولاً .. العِبادي أم الصدر؟](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/d1da7f172cee30f74dde09375f021847.jpg)
تتقدم المواجهة بين رئيس الوزراء العراقي حيدر العِبادي وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، قائمة الصراعات المحتدمة الآن على الساحة العراقية والتي لا تبدأ بمخاوف انهيار سد الموصل، ولا تنتهي بالطبع بين التراشقات والاتهامات القاسية حول فشل حكومة العِبادي في تحقيق الاصلاح وتكريس الشفافية وحماية المال العام من النهب والفساد، وتلك المترافقة مع قرع طبول العصيان والتمرد المسلح, سواء في ما خص دور الحشد «الشعبي» (المُصنّْف شيعياً, وفق المسطرة المذهبية السائدة) ام في الدور الذي سينهض به الحشد «الوطني» المحسوب على العشائر السُنيّة والمدعو وحدة (أميركياً وتُركياً وكُردياً, للمشاركة في تحرير الموصل والفلوجة وغيرها من المناطق, التي ستكون في داخل حدود الاقليم السُنّي (وربما لاحقاً الدولة السُنيّة) وفق ما يُروِّج له كثيرون، يروْن في تقسيم العراق، بداية وفق اقاليم ثلاثة تقوم على السُلّم المذهبي والعِرقي (سُنيّ، شيعي، كردي) ثم تتم عمليات «استفتاء» للاختيار بين البقاء في عراق فيدرالي, أم يُصار الى منح «الاستقلال» للمكوِنات الثلاثة, وهو السيناريو الذي تعمل عليه عديد من العواصم الاقليمية والدولية، ظناً منها، انها بذلك تسحب البساط من تحت اقدام ايران وتُفشل مشروعها الرامي الى «شد» حبل التواصل بين العواصم الأربعة التي يقال انها باتت تُدار وفق التعليمات الايرانية... طهران، بغداد، دمشق، وبيروت..
مع علينا..
مقتدى الصدر، اطلق مؤخراً (في خطبة يوم الجمعة الفائت) تهديدات أمام الالاف من اتباعه، هدّد فيها باقتحام المنطقة الخضراء (وما ادراك ما المنطقة الخضراء التي رسم حدودها الغازي الاميركي, وأسْكَن فيها كل من هلّل لاحتلاله وانخرط في تنفيذ مخططه) عبر مسيرات جماهيرية غاضبة، احتجاجاً على الفساد..
العِبادي الذي يشعر ان الخناق يضيق عليه وان معظم حلفائه (على قلتهم) قد تخلوا عنه او التزموا الصمت، ولم يشاركوه معركة الاقصاء التي تُخاض ضده, او فرض الاستقالة عليه التي يسعى اليها خصومه، لم يصمت وآثر ان يتولى المواجهة, علّه يحبط مخطط إقالتِه او ربما محاكمته على «فساد» يُقال انه توسّع في عهده, حيث لم ينجح اصلاً في الوفاء بالوعود التي قطعها على نفسه, ناهيك عن اتساع دائرة الفساد وعجز الحكومة عن القيام بأي اصلاحات حقيقية أو تنفيذ مشروعات في البنى التحتية والخدمات والمرافق العامة,حيث الكهرباء شحيحة والمياه لا تصل معظم منازل العراقيين, فضلاً عن ارتفاع نِسَب البطالة والفقر وتواصل الفلتان الامني.
العِبادي قال في غضب: ان حرب الفساد تبدأ من الاحزاب نفسها, حيث لا توجد كتلة سياسية تعترف بأنها مسؤولة عن الفساد في البلد, فالكل – والكلام ما يزال لرئيس الوزراء العراقي – يُعَيِنون وزراءهم ويفرضونهم (...) على رئيس الوزراء, ومن ثم يتبرأون منهم».
رمى الرجل الكرة في ملعب الاحزاب, وهو يدرك انه هو ايضاً قادم من حزب اسمه حزب «الدعوة» ترأس الحكومة منذ عشر سنوات عبر سلفه نوري المالكي وجاء هو بعد «انقلاب» في التحالفات اجبرت المالكي على التنحي, فيما هو تقدم الصفوف وكان في الموقع الثاني في الحزب المذكور لكنه – في ما يبدو – يريد استخدام كل ما يتوفر عليه من أسلحة, ولهذا اختار التصويب على الاحزاب كافة, ناعتاً الكتل السياسية بالعجز لأن الكثير منها قامت على اساس «إسمي» فيما بعضها قام على اساس «مذهبي», ولهذا دعا في شكل مباشر – وربما يُدرك في قرارة نفسه, ان دعوته غير قابلة للتنفيذ لكنه اراد المضي في هجومه فحسب,داعِياً الى تشكيل كتلة كبيرة «عابرة» للطائفية وعابرة للإسمية, قادرة على ان تعبر الخلافات الطائفية والمجتمعية مستطرداً: إن تعميق الديمقراطية غير ممكن لأن الكتل السياسية غير ديمقراطية.
لا يبدو حيدر العبادي قادراً على قلب الطاولة على الجميع, وليس في وُسعِه أو ربما غير راغب, بافتراض انه قادر, على قيادة كتلة كبيرة كتلك التي يدعو اليها, باعتبار أن الفرصة باتت سانحة له, للخروج من عباءة حزب الدعوة والجلوس تحت مظلة «عراقية» جامعة وعابرة للطائفية والمذهبية والعِرقية, والا ما فائدة أو اهمية ان يقول في معرض رده على تهديدات مقتدى الصدر: ليس مُمكناً ان نُعمّق مفهوم الديمقراطية والحرية في المجتمع, واحزابنا المتنفذة غير ديمقراطية ولا تملك الحرية في داخلها, ثم يُردِف عبارة تبدو متناقضة تماماً مع دعوته الى تشكيل كتلة كبيرة عابرة للطائفية بالقول: هناك شعارات يُطلقها كثيرون, تدعو الى عبور الخطوط المجتمعية والمذهبية والفواصل بين المكونات, لكنها في نهاية المطاف «لم» تُحقِّق الكثير على ارض الواقع».
مَن يضحك على مَنْ؟
ومَن يستطيع اجتثاث كل هذا الفشل والفساد الذي غذّاه الغزاة الاميركيون واعتنى به واغتنى, من جاءوا الى السلطة, خلال وجود المُحّتل وخصوصاً... بعد رحيله؟
(الرأي 2016-02-29)