الأحمر يليق بكم!

تم نشره الثلاثاء 01st آذار / مارس 2016 12:55 صباحاً
الأحمر يليق بكم!
محمد أبو رمان

من كان يتصوّر أو يتخيّل لمجرد وهلة، قبل أعوام، أن نرى شباباً من قرية الشاكرية النائية في جنوب الأردن، يسيرون على السجادة الحمراء لمنافسة نجوم هوليوود (الكبار) على جوائز الأوسكار العالمية؟

أو من كان يخطر بباله، ولو من باب التندّر أو الخيال، أن يصل فيلم أردني، مثلما فعل فيلم "ذيب"، ليتم اختياره ضمن القائمة المرشّحة للأوسكار، وينافس أفلاماً عالمية تمثّل آخر ما أنجبته صناعة السينما، مع أفلام مثل "العائد"، "ماد ماكس"، و"فيوري راود"، "بيغ شورت"، و"جسر الجواسيس"، و"بروكلين"، و"ساكن المريخ"، و"الغرفة"، و"دائرة الضوء"؟

من الضروري أن نتجاوز لحظة الدهشة والفرحة بهذا الفيلم وأبطاله وصنّاع الإنجاز، وفي مقدمتهم المنتج وكاتب النص باسل غندور والمخرج ناجي أبو نوّار، لنفكّر في مرحلة "ما بعد ذيب"، بل و"ما قبله"!

هذا الفيلم الذي نقل الرواية الأردنية إلى العالم، يفوق ما يمكن أن يعتبره البعض "قصة نجاح"، بل هو "قصة إبداع" من جهة، وقصة إدانة لفشل السياسات الرسمية بمؤسساتها المختلفة، كما المؤسسات المدنية، في خلق البيئة الحاضنة للإبداع والتميّز والإنجاز.

وليس الفشل فقط في إيجاد هذه البيئة المناسبة في الثقافة والفن والتعليم والاستثمار والصناعة، بل حتى في إدراك قيمة ذلك والاهتمام به. وربما تجدون هذا التجاهل على صعيد تعامل الحكومة، حتى اليوم، مع صنّاع "ذيب"، الذين كانوا يستحقون وداعاً رسمياً وشعبياً يليق بهم مع توجّههم إلى لوس أنجلوس، أو حتى عند عودتهم مرفوعي الرأس بهذا الإنجاز المدهش في ظل إمكانات مالية محدودة، وجهود شباب آثروا المغامرة وخلق الإبداع، في حين أن الحكومة والمؤسسات المعنية في سباتٍ عميق!

"ذيب"، يا سادة، يطرح سؤالاً كبيراً وجوهرياً، هو سؤال الإبداع والتميّز والإنجاز. فهذا الفيلم لم ينل أي اهتمام رسمي، إلا بعدما تمّ تصوير المشاهد الأولى، فقدّم دعماً له صندوق الملك عبدالله للتنمية، وتحوّل إلى فيلم عالمي بأقل الإمكانات. ما يعني أنّ هناك تربة حقيقية وخصبة للمبدعين في الأردن، لكنّها تحتاج إلى "البيئة الحاضنة" لذلك؛ تشريعياً وإدارياً وثقافياً ومجتمعياً.

استطاعت الحكومات والسياسات الرسمية عبر جهود هائلة متراكمة خلال الأعوام السابقة، خلق بيئة منتجة للتطرف. وأنجزت تحويل الأردن من بيئة عابرة للمخدرات فقط، إلى "توفير الملاذ الاجتماعي" لها. لكنّها فشلت تماماً في إيجاد البيئة الحاضنة للإبداع، ليس الفني فحسب، بل حتى الثقافي والأكاديمي والرياضي والإعلامي والعلمي... إلخ.

كمّ هي الطاقات الأردنية المهاجرة! وكم هم الأردنيون الذين لمعوا وأنجزوا وحلّقوا في الخارج؛ من إعلاميين وأكاديميين وعلماء ومهنيين!

ليست لدينا مشكلة في "بذرة الإبداع"، فهي متوافرة تماماً. لكنّ المشكلة في "البيئة" القاتلة لهذه البذرة! وليس صحيحاً أنّ المشكلة هي نقص الموارد المالية، فـ"ذيب" أُنجز بميزانية لا تعادل عُشر أحد الأفلام المنافسة له، وبخبرة محلية وإبداع مجموعة من الشباب!

التربية والتعليم في حالة تراجع، والجامعات في تقهقر، والدراما الأردنية دُمّرت، والدوري الأردني لكرة القدم أقلّ بكثير مما كان عليه قبل أعوام، والمنتخب الوطني للسلّة تراجع كثيراً مقارنة بما سبق؛ وفي المسرح يضطر موسى حجازين إلى أن يدفع من جيبه لعدم وجود رعاية حقيقية للمسرح، بينما يتوفى نجوم الدراما الأردنية وهم في أوضاع مالية محزنة، ولأحدهم مثل محمد القبّاني أكثر من مائة عمل!

بدلاً من أن نتقدّم نتراجع كثيراً؟.. لكن من قال إنّنا نعاني من مشكلة في الإدارة والسياسات ومستوى نضج المسؤولين؟ من قال إنّ الدولة تقتل المبدعين والإبداع؟!

(الغد 2016-03-01)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات