سيناريو جزائري للأزمة السورية
![سيناريو جزائري للأزمة السورية سيناريو جزائري للأزمة السورية](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/b7e1fcc6830692cb7556ae9270ccb771.jpg)
يبدو السيناريو الجزائري للخروج من حرب العشر سنوات (1990-2000) هو الأقرب للخروج من الأزمة السورية، ولعل وقف النار الأخير يرجحه حتى لو قطعته خروق من هنا أو هناك. وحتى تتضح الفكرة أكثر، لا بد من العودة إلى «العشرية السوداء» بحسب وصف الجزائريين، للوقوف على مقدماتها ونتائجها.
فقد تعرضت الجزائر كما باقي الدول العربية في أواخر ثمانينات القرن الماضي، لرياح ما بعد النظام القطبي وانهيار الاتحاد السوفييتي. وبما أنها الحليف الأهم للسوفييت في شمال إفريقيا، فقد توجب عليها أن تعيد النظر في سياستها الخارجية، وبالتالي أن تأمن شر جيرانها الأوروبيين الذين كانوا يلوحون لها بوجوب تطبيق الديمقراطية كشرط لإعادة صياغة علاقات ثنائية مفضلة بين الطرفين.
وكان على الجزائر التي تدرك أن حديث الديمقراطية الأوروبي والغربي عموماً ذرائعي، وليس مخلصاً، بدليل أن فرنسا عاشت في الجزائر 130 عاماً من دون أن تسمح للجزائريين بحق التصويت. كان على الجزائريين أن يخضعوا لشروط اللعبة، وأن ينظموا انتخابات مفتوحة، ظناً منهم أن نتائجها ستكون مضمونة لصالح جبهة التحرير الوطني الحاكمة، التي تملك شرعية إخراج المستعمر من البلاد بعد قرن وثلث القرن. وكانت الجبهة تراهن على أن الجزائريين سيخافون من خطرين محدقين. الأول فرانكوفوني انفصالي ممثلاً بتيار الاستئصاليين العلماني الأقرب إلى البربر. والثاني تمثله «جبهة الإنقاذ» بزعامة عباسي مدني وعلي بلحاج، وهي تضم تيارات إسلامية مختلفة، من السلفيين والصوفيين وحتى الأفغان العرب.
جاءت نتائج الانتخابات الجزائرية المفتوحة مخيبة لآمال السلطة. فقد فازت «الإنقاذ» في دورتها الأولى فوزاً ساحقاً، وكانت الدورة الثانية تعد باستكمال هذا الفوز وبالتالي السيطرة على البرلمان والحكومة. وبما أن الجبهة نفسها كانت قد فازت في الانتخابات البلدية، التي انعقدت قبل سنتين من التشريعية، فهذا يعني أن المتشددين سيسيطرون على كل مراكز السلطة في البلاد، وسيبادرون بالتأكيد إلى تغيير الدستور الذي تسلموا السلطة على أساسه، تماماً كما فعل أردوغان ويفعل اليوم في تركيا، وبالتالي كانت الجزائر ستطوي صفحة ما قبل الجماعات الإسلامية مرة واحدة والى الأبد.
وعلى الرغم من أهمية «جبهة التحرير الوطني» في التصدي للموجة الإنقاذية إلا أن التهديد الأكبر كان يطال الجيش الجزائري وهو القوة الأهم في البلاد وحامي وحدتها وضابط أمنها. فقد تعرض خلال الحملة الانتخابية لانتقادات لاذعة من «الإنقاذيين» الذين وعدوا بإرجاعه إلى الثكنات وإنهاء دوره الحاسم في تشكيل السلطات السياسية في البلد. الأمر الذي أدى إلى إلغاء نتائج الانتخابات وإقالة الرئيس الشاذلي بن جديد الذي نظمها ورعاها، وإعلان حال الطوارئ.
فرد الإنقاذيون وغيرهم من الفرق التي قاطعت الانتخابات أصلا، بحرب شاملة استمرت لعشر سنوات وأدت إلى سقوط أكثر من 200 ألف قتيل وتخللتها مجازر تقشعر لها الأبدان.
في أواخر التسعينات توصل وسطاء جزائريون، ينتمون إلى تيار البشير الإبراهيمي، رئيس جمعية العلماء الجزائريين المعتدلة، إلى إخراج البلاد من الحرب الأهلية المدمرة وفقاً للقاعدة المثلثة التالية:
أولا: يتخلى الإنقاذيون عن الحرب المسلحة وينزلون من الجبال وينخرطون في الحياة المدنية على أن تتاح لهم فرص العمل وهو ما تم حيث صار بعض قادتهم رجال أعمال مشهورين وانخرط قسم وافر منهم في العملية الانتخابية وفق الدستور الجديد.
ثانياً: يعمل الجيش والإنقاذيون على عزل «الجماعة المسلحة» التي رفضت الانتخابات ونسبت اليها مجازر طالت حتى الإنقاذيين وأن يدعم الإنقاذيون الجيش في مكافحتها والقضاء عليها.
ثالثاً: إقالة وتهميش التيار الاستئصالي في الجيش وقد تم ذلك فوراً عبر طرد رئيس الأركان محمد العماري وضباط آخرين.
هل يمكن لهذا السيناريو أن يطبق في سوريا ؟ البعض يرد سلباً بالقول إن الأزمة الجزائرية خلت من اللاعبين الخارجيين، وهو قول صحيح جزئياً، لأن فرنسا وإيران والسودان كانت متهمة من أطراف النزاع بالتدخل في الجزائر، لكن لم يصل حجم التدخل إلى حد توكيل اللاعبين الخارجيين عن الفصائل المختلفة، علماً بأن قادة الإنقاذ رفضوا في حينه رفضاً قاطعاً التدخلات الخارجية، وهذا مخالف لما تشهده سوريا، لكن هذا الفارق على أهميته، لا يلغي أهمية السيناريو الجزائري بالنسبة للأزمة السورية وبالتالي الانطلاق من القواعد نفسها مع بعض الإضافات:
أولاً: تقسيم المجموعات المسلحة السورية إلى قسمين قسم يريد المشاركة في اللعبة السياسية السورية وقسم يريد إقامة ما يسمى «الخلافة الإسلامية» في كامل الشرق الأوسط وليس في سوريا حصراً، الأمر الذي يتيح ائتلافاً بين الجيش السوري والمسلحين الذين يبحثون عن إصلاحات سياسية في سوريا. تماماً كالإنقاذ والجيش الجزائري في الجزائر. على أن يتم الائتلاف تحت سقف إصلاحات سياسية تحدثت عنها خريطة الطريق في فيينا وقرار مجلس الأمن ما قبل الأخير.
ثانياً: تخرج من سوريا كل الجماعات التي جاءت لدعم الجيش السوري، على أن يضمن الروس والأمريكيون خروج الطرفين كل من المعسكر الذي يعمل فيه.
ثالثاً: تنفتح لعبة سياسية في سوريا، وفق دستور جديد، وتعتمد إصلاحات سياسية مفيدة للجميع، وضامنة لمختلف الأطراف، وذلك بعد التحرر من التيار الاستئصالي الديني الذي يريد العودة إلى الخلافة التاريخية.
أما الأطراف التي تقف على يمين أو على يسار أمريكا وروسيا، فهي تملك تأثيراً مهماً ولكن ليس إلى حد الاصطدام بإرادة اللاعبين الأمريكي والروسي، وقد لاحظنا كيف أن فرنسا التي امتلكت الصوت الأعلى في الأزمة السورية، قد همشت نفسها عندما أهملت التصميم الأمريكي الروسي على حل الأزمة والأمر يصح أيضاً على تركيا، التي وإن كانت تعاكس وتحاول وضع العصي في دواليب المسار الأممي لحل الأزمة، فإنها سرعان ما ستعيد النظر بسياستها للتكيف مع مخطط لافروف - كيري لوقف الحرب السورية.
(الخليج 2016-03-02)