جدل «الفيدرالية».. والثقافة «الاستنسابية»!
![جدل «الفيدرالية».. والثقافة «الاستنسابية»! جدل «الفيدرالية».. والثقافة «الاستنسابية»!](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/e5d3b6fa1eb56ec6273bf5b2676e7920.jpg)
هاج «بالمُزايدة وادّعاء الحِرص الكاذب على المصالح الوطنية والقومية», رهط الذين وجدوا في الازمة السورية فُرصتهم السانحة، كي يُمرِّروا مشروعاتهم المعروفة في بذر بذور الفُرقة والفوضى واستباحة الاوطان، ونهب الثروات والتضليل المُتخفّي خلف فتاوى وخطاب ظلامي، عندما سمعوا بان دبلوماسيا روسيا اجتهد بالقول: «ان فيدرالية سورية لن يعارضها احد، اذا ما اتفق عليها السوريون انفسهم»، ولم يتوقفوا لحظة واحدة للتدقيق في ما ذهب اليه هذا الدبلوماسي، الذي لم «يدعمه» او يُثني على أقواله, احد من المسؤولين الروس «الارفع», بل سنّوا اقلامهم وانبروا يُنظِرون ويَتهمون ويُخونون على نحو استنسابي, وكأني بهم – بل هم كذلك – ينعون سوريا الموحدة, سوريا ما قبل سنوات الحرب فيها وعليها, والتي ستبقى كما كانت, شاء من شاء وأبى من أبى.
ولكن..
ثمّة في ما يطرحُون ويكتُبون ما يجب التوقف عنده ومناقشته ببرود وروِيّة، بعيدا عن لغتهم الخشبية المعروفة, ونأياً بالنفس من رائحة الهزيمة والاندحار التي تفوح من حبر كتاباتهم ومن ثنايا تصريحاتهم التي يعلو فيها الصوت ونبرة الغضب والطهرانية المزعومة، على الحقائق والمعطيات, وما تطرحه الدوائر السياسية والدبلوماسية وخصوصا ما تعكسه ميادين المعارك من موازين قوى وحقائق, ودائما في طبيعة الانحيازات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لدى الشرائح والطبقات السورية وخياراتها الراهنة والمستقبلية, بعد خمس سنوات من الدمار والخراب وسفك الدماء والارهاب الذي رعاه وموّله وسانده «حلف» غير مسبوق في ايديولوجياته ومرجعياته ومصالحه,وخصوصاً تقلباته وانفراط عقده في بعض المراحل، ثم المحاولات التي لا تتوقف لبعثه من جديد، ولكن وفق مقاربات وترتيبات وخطاب جديد او مُحسَّن, بعيداً عن الصياغات والاساليب السابقة التي اثبتت عقمها وعدم فاعليتها سياسيا ودبلوماسيا وخصوصاً عسكرياً, وتحديداً بعد الثلاثين من أيلول الماضي، الذي تجلّى في الانخراط الروسي المباشر في الأزمة السورية.
هنا والآن... يمكن التوقف عند بعض المحطات المهمة التي بدأت بعد صدور القرار 2254 عن مجلس الأمن, الذي شكل الحاضنة والقراءة الأساس في التوافق الروسي الاميركي لحل «سياسي» للأزمة السورية,حيث ينهض على عبارة يصعب على احد القفز عليها او تجاهلها حتى لو تذاكى البعض وقال ان المشكلة لا تكمن في النصوص بل بالمصالح بين القوتين وهو أمر يمكن ان يحال ببساطة الى طبيعة الدور الروسي في الأزمة السورية والمدى او الهامش الذي يمكن لموسكو ان تسمح لنفسها بممارسته دون ان تقع فريسة الابتزاز والتوريط الاميركي، الذي لا يمكن الاّ ان تكون روسيا على دراية عميقة به.
جاء في القرار 2254 ان اي حل للأزمة «يجب ان ينهض على اساس حفظ وحدة سوريا وطناً وشعباً» ولم يغادر القرار التالي 2268 الذي حدّد توقيت وقف الاعمال القتالية، المربع السابق، الى ان خرج علينا الوزير كيري بتصريح مفاجئ وخطير كاد ان ينسف وقف النار قبل دخوله حيز التنفيذ ليل 26 /27 شباط الماضي, عندما «حذّر» بأن عدم الالتزام الكامل بوقف النار يعني «عدم ضمان ان تبقى سوريا موحّدة»، ولم يلبث ان ردّ عليه لافروف بعنف وبخاصة عندما سمع كيري يتحدث عن الخطة «ب» التي قال عنها لافروف :بأنها لم تكن موجودة في القرار 2268 «ولن» تكون..
ما عدا ذلك، فان تصريح نائب لافروف لا قيمة له ولا رصيد في «اللعبة» المُعقّدة الدائرة الآن, رغم ان الرجل ربط مسألة «الفيدرالية» بموافقة السوريين «المفاوضين» انفسهم ولا أحد غيرهم..
فلماذا اذاً كل هذه الضجة الاعلامية المشبوهة التي تريد نسف «الهدنة» واطاحة موعد التاسع من آذار، الذي حدّده دي ميستورا لبدء المفاوضات بين دمشق والمعارضات السورية والتي لن تكون محصورة في هيئة رياض حجاب للمفاوضات, فضلاً عن ان هناك ما يجب معرفته قبل الجلوس الى طاولة المفاوضات وهو القائمة النهائية للمنظمات الارهابية التي ستُضاف الى داعش وجبهة النُصرة (ذراع تنظيم القاعدة في بلاد الشام)..
يجدر بالذين سارعوا الى طرح سيناريوهات الفيدرالية (بما هي التعبير المُلّطف لمصطلح «التقسيم» الذي عمل عليه أعداء سوريا في المنطقة وخارجها) ان يُدققوا جيداً في المستفيدين ( كما المتضررين) من «فَدْرَلَة» الجمهورية العربية السورية؟ وكيف يمكن لهذه الفيدرالية ان تقوم؟ سواء وِفق شعارات مذهبية او طائفية ام عرقية, حيث لا اقلية قومية «وازنة» فيها سوى «الكرد»، فهل تقبل انقرة؟ وماذا عن اميركا حليفتها؟ ثم ما دور كرد العراق وكيف سيكون رد ايران؟ وما الذي يمكن ان يفعله «عرب اليوم» الذين صدّعوا رؤوسنا وهم يواصِلون صبّ الزيت على نار الأزمة السورية, حول «تمسكهم» بوحدة سوريا ارضاَ وشعباً؟
لِيصْمِت الذين يتباكون على سوريا وعروبتها ووحدتها, وليكفوا عن شيطنة روسيا ودورها، فسوريا ستبقى مُوحدة, والأزمة السوداء, تكاد تكون قطعت شوطاً مهماً وحيوياً على طريقة هزيمة الارهابيين, ويبقى ان يجلس السوريون على طاولة المحادثات, ليكتبوا»وحدهم» فصلاً جديداً لوطنهم, خصوصاً بعد ان يرفع الداعمون للارهاب ايديهم... عن بلاد الشام.
(الرأي 2016-03-03)