العكاشيوّن!

تم نشره الجمعة 04 آذار / مارس 2016 01:35 صباحاً
العكاشيوّن!
محمد أبو رمان

شكّل توفيق عكاشة ظاهرة معبرة في الحياة العامة المصرية. فالرجل أسس قناة فضائية، ودخل البرلمان أولاً في حقبة مبارك، ثم في حقبة السيسي، وأخذ أعلى الأصوات في كل مصر. وكانت هذه صدمة للطبقة المثقفة والإعلامية والسياسيين الذين أيدوا الانقلاب العسكري، ليكتشفوا بأنّ رموز الانقلاب الإعلاميين والسياسيين، هم مجرد مهرّجين، وأدوات سخيفة للتلاعب بعقول نسبة كبيرة من الطبقة العامة التي تتأثر بـ"الميديا" كثيراً، ولا تملك حسّاً سياسياً ولا عمقاً ثقافياً يمنحها القدرة على نقد هذا التهريج السياسي والإعلامي بذريعة الإطاحة بالإخوان المسلمين.

لم يكن عكاشة إلاّ واجهة لدوائر في السلطة لتنفيذ أعمال قذرة، والاختباء خلف هذه الواجهة الإعلامية أو السياسية من أجل تمرير سياسات ودعايات للرأي العام. والطريف في الأمر أنّ هذا الشخص -الذي لا يملك إنسان يحوز الحدّ الأدنى من الحس الثقافي والسياسي إلاّ أن يشعر بالخجل والإهانة عندما يشاهده يمتطي منبراً إعلامياً فضائياً ويسخّف الصورة الإعلامية عن مصر- أصبح يمتلك حضوراً إعلامياً وشعبياً واسعاً، لأنّه أريد له ذلك؛ فقد دعمته دوائر أمنية وعسكرية ومنحته كل ما يريد من أجل إتمام المهمة المطلوبة.

المسكين عكاشة صدق الكذبة، وظنّ أنّه أكثر من أداة لممارسة الأعمال القذرة، فأصبح يعتبر نفسه مهماً للسيسي، ويظنّ أنّه حمى البلاد من الإخوان المسلمين. فبدأ "يفضح الطابق" لما وصل إلى قبة البرلمان. وكانت التصريحات الأخيرة له، والتي كشف فيها أسرار "القناة الخلفية" بين إسرائيل ومصر، هي الضربة القاضية التي دفعت بالدوائر المعنية إلى التخلص من هذه الأداة، بعد أن أنجزت المهمة، وأصبحت عبئاً عليها!

وعندما بدأ عكاشة يدرك أنّه أصبح تحت المطرقة، وجدناه (في تسجيلات مصوّرة) لا يخجل من أن يتسول على باب مجلس الشعب، الذي طُرد منه، عدداً من النواب ليدخل الجلسة التي صوّت فيها على طرده من المجلس، ويعتذر لجميع النواب ولمصر وللسيسي عمّا بدر منه، وأصبح يدّعي الهبل والمسكنة، كما وصفه المخرج المصري، النائب حالياً، خالد يوسف، بأنّه "ساق الهبل على الشيطنة". لكنّ ذلك لم يجدِ؛ فقرار إنهاء "الأداة عكاشة" اتخذ في الغرفة رقم (...)!

بمناسبة الحديث عن خالد يوسف، المخرج الذي طالما انتقد السلطة، في أوقات سابقة، خلال حقبة مبارك، وقع هو الآخر في "المصيدة"، وأصبح أداة (فشارك في تزوير ما حدث في 30 يونيو). لكنّه أذكى من عكاشة، إذ أدرك القصة منذ واقعة التلويح له بالأفلام الجنسية، والتزم بقواعد اللعبة منذ أن أصبح نائباً.

هذه لعبة السلطة والمهرجين والأدوات. عكاشة مثّل نموذجاً-ممثّلاً في المسرحية، أدى دور الإعلامي الشعبوي، لاكتساب شريحة اجتماعية واسعة. وعندما خرج عن "النص"، تم طرده من المسرحية. وإذا تجاوز ما هو مرسوم له لاحقاً، فإنه سيدفع ثمناً غالياً!

ثمّة نماذج متعددة من "الأدوات"، لكنّ أطرفها على الإطلاق هم العكاشيون، لأنّهم ليسوا أدوات فقط لتنفيد المهمات والقيام بالأدوار المطلوبة، بل لديهم حسّ فكاهي كاريكاتوري، يكشفون به عن المستوى الأخلاقي والثقافي لمن يديرون هذه الظواهر، فكل عكاشة وراءه عاكشيون، وهي ظاهرة تستحق أن نتأمّلها ليس فقط في مصر، بل في أغلب الدول العربية، فهناك عكاشيون وعاكشيون، وصورة كاريكاتورية صادقة تعكس سخافة اللعبة السياسية والإعلامية!

(الغد 2016-03-04)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات