نكران الجميل من شيم اللئام
لا يستغني الناس في هذه الحياة عن بعضهم البعض، فلا يستطيع إنسان أن يعيش وحده. ومعنى ذلك أن هذا الإنسان سيؤدي إلى الآخرين بعض ما يحتاجون إليه، كما إنه سيأخذ منهم بعض ما يحتاج إليه. وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى الاعتراف بالجميل وعدم نكرانه، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أُعطيَ عطاءً فوجد فليجْز به، ومن لم يجد فليثن فإن مَن أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلَّى بما لم يُعْطَهْ كان كلابس ثوبَي زور".
أما أن يحسن الآخرون إلى أحدنا فلا يجدون إلا نكرانًا فهذا دليل على خِسَّة النفس وحقارتها؛ إذ النفوس الكريمة لا تعرف الجحود ولا النكران، بل إنها على الدوام وفية معترفة لذوي الفضل بالفضل:
ولقد دعتني للخلاف عشيرتي.. ... ..فعددت قولهم من الإضلال
إني امرؤٌ فيَّ الوفـــــاء سجيـة.. ... .وفعــال كل مهـذب مفضـال
أما اللئيم فإنه لا يزيده الإحسان والمعروف إلا تمردًا:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته.. ... ..وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
فحين لا يقر الإنسان بلسانه بما يقر به قلبه من المعروف والصنائع الجميلة التي أسديت إليه سواء من الله أو من المخلوقين فهو منكر للجميل جاحد للنعمة كما وصفهم الشاعر عبد القادر اللبان :
أتيتُ بنبةٍ وزرعتها في أعلى جبل --- فأثمرت وفكان مذاقها مرّ كحنظل
فيا ليتني لم أشق وأزرع --- وليتني لعمل الزراعة كنت أجهل
فمن يزرع المعروف في أرض بورٍ --- مهما تكلف من تعب يضمر وينكد
فما لقيت مـن للمعروف أهلاً --- ولم أجد لجني حصاده محراثاً ومنجل
فكنت كواقد شمعٍ في قاعات عُميٍ --- أو كزارع وردٍ في أعماق جدول
فلن أرى لِحُسْن صَنيعي جميلَ ردٍّ --- ولا من على التعبير للعرفان يعمل
فكأنّي عن النُبلِ في واد ٍ سَحِيقٍ --- أو مِنَ السلاح في الهيجاء أَعزل
أكان ما صنعت من معروف جهلاً؟ --- أم لو تغاضيتُ عنه كان أعقـل
فاتقِ مِمَّـن أحسنت إليه شـرّاً --- وابتعد ولا تكن منه على وجَل
فالقِدرُ ينضح بما يَحويه عادةً --- ومن نفس ما يَحْـوِيه يُؤكَـل
خُلقتُ من الحديدِ أشـدُّ بَطْشاً --- ولكنّي مـن المكارم كنت أنهـل
فلو خُيرّت بعيشي مع خَسِيسٍ --- لكـانَ عليَّ وقع السيفِ أسهـل
فيا من أتيت في طلب المكارم جَاهِداً --- وعـن أهل المروءة , عَنِّي فاسأل
ترى نَبْعاً مـن الوفاء يفيض مني --- سلسبيلاً, ومن لم يعرفني يجهل
فـإنْ كنت فـي مُقارنةٍ فَإنِّـي --- بَحـْرٌ للمكـارم وغيـري جَـدْوَل
فَكُنْتُ في العطايا والهدايا حاتـمٌ --- وفي الوفاء والمروءةِ كنت السَمَوْأل
فَالحَسَدُ دَاءٌ , أَنـت مُعتّل بِـهِ --- أَوْ حُسَامٌ فِيهِ حَتْمـاً سوف تُقْتَـل
فَلا تُلْصِقُ لِنَفْسِـكِ أَيَ فَخْـرٍ --- فأنـت من الكـلاب واللـه أبخل
سألت اللـهَ.. أن أبقى بعيـداً --- عـنكَ وعن أمثالك, أَجْدَى وأَمْثَـل
وأن أقضي غريباً طـول عمري --- عزيزاً وافـراً لكرامتي محترم مُبَجَّل