«غزوة» بن قِردان: معركة في حرب.. طويلة!
![«غزوة» بن قِردان: معركة في حرب.. طويلة! «غزوة» بن قِردان: معركة في حرب.. طويلة!](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/53ba8cfdbceffa3fd2ab6e119e748cd0.jpg)
يعرف التوانسة, الذين اصابتهم الصدمة المحمولة على دهشة وتساؤلات، ان نجاح قوات الامن التونسية في القضاء على معظم ارهابيي «غزوة» بن قِردان، لا يعني ان هزيمة الارهاب قد تم حسمها, او ان الدول المتورِطة في دعم هؤلاء, ستتوقف عن توفير المزيد من الدعم والفرص، لاعادة تفعيل سيناريو اعلان الامارة «الداعشية» في تلك المدينة الحدودية مع ليبيا، والذي لو نجح لكان بداية مشهد جديد في فصل دموي متواصل على ارض تونس، كانت احداث متحف باردو ولاحقا حافلة الحرس الرِئاسي وما حدث في مدينة سوسة مجرد بروفات وبالونات اختبار, الى ان فوجئ الجميع بـ(جيش) حقيقي يغزو تلك المدينة المُهمّشة التي تعجّ بالعاطلين والمُهرِبين وتمسك بمشهدها الداخلي عصابات تتنقل بِحُرِية لافتة عبر الحدود ما بالك ان ليبيا الان, ليست هي تلك التي كانت تُسمّى «جماهيرية» وكان كل ما يجري ضد تونس – وقتذاك–يتم بعلم الاجهزة الامنية الليبية التي كانت تُوظِفها لصالح مشروعها «الوحدوي» الذي لم يُخْف الاخ العقيد, رغبته في فرضه على تونس ولم يكن اتفاق «جربة»الحدودي مع الرئيس التونسي الاول بورقيبة، الا جزءا «بسيطا» من ذلك «التسونامي» الوحدوي الذي حَلُمَ القذافي..به, دون ان يتوفر على مقومات جدية او صادقة «تُغْري الآخرين» بالمُضي قدما معه، كي يتحقق ولو شكل بدائي من وحدة عربية, كثُرت الشعارات والمزاعم حولها, دون ان تجد بين الجمهور العربي من يُصدِّق مزاعم الانظمة وادعاءات حكامها «الموسمية بالطبع».
ما علينا..
ذهب القذافي وقضى قبله بورقيبة وبقيت ليبيا وشعبها كذلك هي حال تونس وأهلها، الا ان ما خلّفه الغزو الاطلسي الامبريالي لليبيا, وتداعيات الثورة التونسية التي استمرت نسختها الاولى بعيدة من الدموية والعنف وسادت ثقافة الحوار.. فضاءاتها، ولو ان كل ذلك تم في شكل نسبي , الا ان اصرار جماعات الارهاب – لا تنسى الجهات الداعمة–على اختراق «تونس» ميدانيا وامنيا، والتركيز على المناطق المُهمّشة وتلك التي تكثر فيها الاصطدامات والاحتجاجات الشعبية واستغلال الخلافات السياسية التي تعصف بالمشهد الحزبي التونسي وبخاصة بعد تفكُّك الحزب الحاكم او الحزب الاول (نداء تونس) ثم فقدانه الاغلبية لصالح حركة النهضة الاسلاموية بزعامة راشد الغنوشي، وزعم الاخير ان حركته «لن» تطالب بتبديل حصص او حقائب الائتلاف القائم رغم انها اصبحت الحزب الاول في البرلمان.. يدفع، كل ذلك الى الاعتقاد ان «التحرش» الارهابي المدعوم اقليمياً وعربياً,لا يزال قائماً, وإن كان الغرب الامبريالي ودائماً حلف شمال الاطلسي يَدُقان طبول الحرب على ليبيا, ويحاولان اختبار–اقرأ الضغط–على تونس والجزائر, لرفع معارضتهما الشديدة لاي تدخل غربي او غير غربي في ليبيا، لان ذلك التدخل–إن تم–سيُفاقِم الأزمة ولن يُسهم في حلّها وربما يكون مقدمة لتقسيم ليبيا وانتقال الحرائق الى دول الجوار الليبي, شرقها وغربها. على النحو الذي حدث في العراق وسوريا وخصوصاً ما خلّفه الغزو الاطلسي نفسه لليبيا.
أن يعلن رئيس الوزراء التونسي ان معظم–إن لم يكن كل–الارهابيين سواء الذين تم القضاء عليهم ام تم اعتقالهم هم من التوانسة وأن «لا» يجزم بان هناك اجانب منهم، يعني ضمن امور اخرى, ان التغلغل الارهابي قد وصل ذروته في تونس ولم يعد يقتصر على وجودهم في جبل الشعانبي لاسباب طبوغرافية محضة، بل ثمة من يتحدث عن خلايا نائمة داخل مدينة بن قردان...اسهمت, ليس فقط في توفير الاسلحة والدعم اللوجستي والملاذ الآمن الى ان حانت ساعة «الغزوة» بل وايضا في القتال الى جانب الذين جاءوا من خارج المدينة وكادوا ينجحون في اعلان الامارة الداعشية، لولا استيعاب الاجهزة الأمنية التونسية الصدمة, ثم مبادرتها الى الهجوم وتماسك عناصرها واندماج القوى الرسمية في الهدف الرئيس وهو القضاء على محاولة اعلان الامارة، قبل ان تحدث «سابِقة» في تونس, لتغدو امارة بن قردان «شقيقة» امارة «سرت» في ليبيا, التي لم ينجح احد حتى الان ــ لا الغارات الاميركية ولا طائرات حفتر او قواته البرية ــ في سحقها, بل هي تواصل البقاء والتمدد.
لا أهمية او رصيد حقيقي للاشادة الاميركية وخصوصا الفرنسية بما انجزته القوات التونسية في بن قردان، بقدر ما هو ضروري لفت الانظار اليه,وهو ان واشنطن وباريس لم تتوقفا لحظة واحدة عن دعم كل محاولة للتدخل في ليبيا عسكرياً للقضاء–زعماً–على داعش, وكونهما في سنةٍ انتخابية (اميركا ثم فرنسا لاحقاً) فانهما تُفضِلان ان تتولى التدخل قوات غير اميركية او فرنسية’ ويُحبّذ ان تكون ايطالية (الافضلية في التراتبية الاستعمارية هي للمُستَعمِر القديم).
هل تخضع تونس والجزائر لابتزاز الأطلسي, وتوافقان على تدخُّلِه العسكري؟
الأمور محكومة بالمشهدين «السياسي والحزبي»... في البلدين.
(الرأي 2016-03-10)