الشرعية المفقودة

تم نشره الجمعة 11 آذار / مارس 2016 01:22 صباحاً
الشرعية المفقودة
د. حسن البراري

ربما لم تقترب بعد لحظة استبطان روسيا والولايات المتحدة بأن أي اتفاق لحل الأزمة السورية يحتاج إلى موافقة المعارضة المعتدلة لمنحه الشرعية التي لا يمكن للأسد فاقد الشرعية أن يوفرها لأي حل. وربما على المعارضة السورية ألا تقلق كثيرا من محاولات روسيا وأمريكا الضغط عليها وإجبارها على غض الطرف عن فكرة هيئة الحكم الانتقالي إلا إذا كانت موسكو وواشنطن متوافقتين على إبقاء الأسد حتى لو استلزم ذلك حسما عسكريا تفضله كل من إيران وحزب الله ونظام الأسد. من هنا يتعين على المعارضة السورية ألا تشعر بأنها ليست من دون أوراق وبخاصة بعد خروج الشارع السوري مستغلا أجواء الهدنة للتعبير مرة وللأبد بأنه لا مكان للأسد في سوريا.

الراهن أن موافقة المعارضة على أي حل قادم ستمنح هذا الحل شرعية إذ لا يمكن للمجتمع الدولي أن يركن على المعارضة المدجنة التي أنتجها نظام الأسد وتروج لها روسيا. فالجميع يعرف أن المعارضة المدجنة هي في صف النظام في نهاية الأمر. أما إذا اختار الثنائي الأمريكي الروسي فرض حل على الشعب السوري لا توافق عليه المعارضة المعتدلة فمن شأنه أن يديم الصراع وسيفتح باب جهنم على سوريا حتى لو تم إلحاق هزيمة عسكرية بهذه المعارضة. فحسم الصراع عسكريا لصالح نظام بشار سيولد صراعات أخرى ستكون عصيّة على الحل، وما يجري في العراق من تقويض للدولة يثبت للقاصي والداني أن أي عملية سياسية تستند إلى الإقصاء لمكون ما من مكونات الشعب من شأنها أن تخلق أجواء التطرف. وعليه لا يمكن للأقلية في سوريا مهما دُعمت من الخارج وبصرف النظر عن الدور الوظيفي الذي ستقدمه للغرب أن تحكم قبضتها على كامل تراب سوريا ناهيك عن شعبها.

هناك اتجاه يرى أن الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ في السابع والعشرين من الشهر المنصرم جاءت لخلق الأجواء المناسبة لإطلاق مفاوضات حقيقية من المفروض أنها ستنطلق يوم الاثنين القادم وفقا لمبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا ستيفان دي ميستورا الذي يؤكد أن المحادثات ستركز على قضايا الحكم وإجراء انتخابات خلال ١٨ شهرا ودستور جديد. لكن سنعود بعد فترة وجيزة لمسألة عقدة الأسد إذ لا يعقل أن يتم تمكينه ليلعب أي دور في المرحلة الانتقالية وحينها سيعود الصراع مرة أخرى إلى المربع الأول. فالثابت لغاية الآن أن النظام يزداد بطشا بعد بدء أي محاولة حل سياسي.

وبعيدا عن الاستخفاف الشديد بتضحيات الشعب السوري المتطلع للحرية والاستقلال من بطش نظام بشار، لم تعد لعبة رحيل بشار كشرط لبدء العملية أو كنهاية للعملية مقنعة ولا حتى إنسانيا، ولا يمكن قبول لعبة الخداع الروسية والتضليل الممنهج القائم على خلق وهم أن روسيا ستتخلى عن بشار في مرحلة ما، فما يجري يبرهن أن روسيا والأسد في خندق واحد ولن تتزحزح روسيا عن موقفها طالما هناك بارقة أمل في حسم الصراع لصالح نظام الأسد. وما فات الأمريكان المندلقين على أي حل حتى لو تطلب الأمر التواطؤ مع مقولة روسيا (بأن إبقاء الأسد في المرحلة الانتقالية يخدم عملية الانتقال المنشودة) هو أن استمرار الأسد بالسلطة يعني إطالة عمر داعش، فالأسد وميليشياته لم ولن تحارب داعش، وكل تركيزها يقوم على تأمين "سوريا المفيدة" وترك داعش تحكم كما تشاء، فبشار وحلفاؤه الروس والإيرانيون لا يرون أن محاربة داعش هي مسؤوليتهم وإنما مسؤولية الغرب.

وربما علينا أن نتذكر أن لا روسيا ولا الولايات المتحدة ترى أن سلامة وحدة أراضي الدولة السورية خط أحمر، فروسيا سبق لها واقترحت الفيدرالية والولايات المتحدة لا تعارض فكرة تقسيم سوريا. وما من شك أن الروس في هجومهم العسكري على المعارضة إنما يساعدون فقط في تمكين نظام بشار في مناطق محددة هي في نهاية الأمر تصب في سياق تأمين "سوريا المفيدة" ليس أكثر.

باختصار، حتى يتسنى للمفاوضات أن تنجح وحتى تحظى نتائجها بالاحترام ينبغي أن تتمتع بقوة الشرعية وهو ما توفره المعارضة السورية المعتدلة، وأما الإصرار على منطق القوة التي تحاول روسيا وعملاؤها (إيران، بشار، حزب الله) فرضه على الشعب السوري فمن شأنه أن يزرع بذور أزمات دموية قادمة لا محالة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن بشار الأسد ليس مستعدا لأي مفاوضات لأنه متيقن بأنه غير شرعي بنظر الشعب السوري، وبالتالي فإن تلاعبه بمفردات الحاجة إلى حل سياسي يخفي خلفه قلقا عميقا من احتمال تحول هذا الحل السياسي أيا كان شكله إلى واقع لا شك بأنه يخشاه.

(المصدر: الشرق القطرية 2016-03-11)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات