الفيدرالية كمسوغ لاحتلال شمال سوريا

تم نشره السبت 19 آذار / مارس 2016 02:02 صباحاً
الفيدرالية كمسوغ لاحتلال شمال سوريا
سلام السعدي

على الرغم من عدم تبني حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي مشروع الانفصال عن سوريا، لكن سلوكه السياسي والعسكري أظهر رغبة جامحة في تحقيق ذلك الحلم، رغم وجود عقبات كثيرة تمنع تحققه.
وهذا ما دفع بالحزب أخيرا إلى إعلان قيام “الاتحاد الفيدرالي” بين الأقاليم ذات الغالبية الكردية ومناطق أخرى في شمال البلاد.

العقبة الأولى لتحقيق حلم الانفصال تتمثل في كون الأقاليم ذات الغالبية الكردية والتي يدعوها حزب الاتحاد الديمقراطي بـ“روج آفا” ليست متصلة جغرافيا. فهي تتوزع على امتداد شمال سوريا لتشمل كوباني (ريف حلب الشمالي) وعفرين (ريف حلب الغربي) والحسكة، ويقوض ذلك إلى حد كبير من قوة وأهمية الدولة المنتظرة، بل يمنع قيامها.

وتتمثل العقبة الثانية في عدم إمكانية قيام دولة قابلة للحياة على مساحة جغرافية صغيرة وحتى لو كانت متصلة. وهو ما استدعى إطلاق مشروع توسعي منذ العام الماضي عمل من خلاله حزب الاتحاد الديمقراطي، عبر وحدات حماية الشعب، على تعزيز سيطرته على مناطق الأكراد في البداية، ومن ثم التوسع نحو المناطق العربية والسيطرة عليها. وقد تطلب ذلك إنشاء “قوات سوريا الديمقراطية” كستار لمشروع التوسع الكردي، حيث ضم بعض المقاتلين العرب ليشكلوا واجهة اجتياح وحدات حماية الشعب الكردية للمناطق ذات الغالبية العربية السورية.

كما تبرز المعارضة القوية، المحلية والإقليمية، لمشروع انفصال الأكراد كعقبة كبيرة تمنع تحقيق هذا الحلم وتهدد استمراره في حال تحقق. ربما تكون نقطة اللقاء الوحيدة بين النظام السوري والمعارضة هي رفض الحكم الذاتي الذي أعلنه حزب الاتحاد الديمقراطي شمال سوريا، ومن باب أولى سوف يتم رفض الانفصال في حال حدث ذلك. المعارض الأكثر شراسة للمشروع الكردي في سوريا هو تركيا التي ترقد على أزمة كردية داخلية متفجرة تحاول احتواءها منذ عقود طويلة دون أن تنجح. بهذا المعنى، فإن المعارضة التركية مبدئية واستراتيجية. ورغم أن أنقرة تكتفي، حاليا، بإبداء استيائها من التطورات في شمال سوريا دون أن تمتلك القدرة على التدخل المباشرة لأسباب كثيرة، فإن ذلك لن يتواصل إلى الأبد، وستنتظر أنقرة الفرصة المناسبة للانقضاض على أي مشروع انفصالي كردي. هكذا، فإن انفصال الأكراد سوف يضعهم بين فكي كماشة: السوريين العرب من الجنوب، وتركيا من الشمال.

كل تلك العقبات استدعت أن يطرح حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي مشروعه الجديد، وهو إعلان الفيدرالية في مناطق شمال سوريا. بإعلان الفيدرالية، يسعى الحزب إلى تكريس سيطرته على المناطق ذات الغالبية العربية في الشمال، بل يمهد لتوسيع تلك السيطرة تحت عنوان “الاتحاد الديمقراطي” ليشمل مدينة الرقة وجميع المناطق العربية في شمال حلب. يبدو النظام الفيدرالي إذن كمسوغ وحيد يبرر قيام حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي باحتلال المناطق العربية والإبقاء على ذلك الاحتلال. كما ستؤدي الفيدرالية إلى توسيع مساحة مناطق الحكم الكردي وجعلها متصلة جغرافيا وقابلة للحياة.

وأخيرا، فإذا كانت الأطراف السورية والإقليمية والدولية ترفض الانفصال بصورة قاطعة، فهنالك أمل ضعيف في أن تقبل الفيدرالية، أو هذا ما يتوهمه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. لكن ساعات قليلة بعد إعلان الفيدرالية كانت كافية لتبديد الوهم، إذ أعلن كل من النظام السوري، والمعارضة رفضهما الخطوة الانفرادية. الرفض جاء أيضا من حلفاء حزب الاتحاد الديمقراطي مثل هيثم مناع والولايات المتحدة الأميركية. الأخيرة كانت شديدة الوضوح بإعلان أنها لن تعترف بمناطق للحكم الذاتي داخل سوريا.

يحاول حزب الاتحاد الديمقراطي ابتزاز الولايات المتحدة التي تعتمد على قواته بصورة رئيسية في قتال داعش، وخصوصا في ظل تخبطها في حربها على التنظيم المتطرف، وفي ظل انعدام البدائل وضرورة إطلاق نسخة محسنة من الحرب على داعش بعد فشل القصف الجوي. لكن الأمور بدأت تتبدل، إذ وصلت قوات حماية الشعب في قتالها لتنظيم داعش إلى ذروة إمكاناتها. ويوضح ذلك الهجوم المباغت الذي شنه تنظيم داعش على مدينة تل أبيض قبل نحو أسبوعين إذ نجح في اجتياح المدينة بصورة سريعة.

يشكك نجاح هجوم داعش بقوة وحدات الحماية الكردية، وخصوصا عندما تفتقد للدعم الجوي الهائل المقدم لها. وهنا يبدو أن أميركا باتت تعاني من مأزق جديد، ففضلا عن تراجع الفاعلية العسكرية للقوات الكردية، فقد أدت سياسة واشنطن إلى توسيع هيمنة الأكراد على الشمال، وصولا إلى إعلانهم إقامة فيدرالية تعارضها واشنطن. الأهم أن السياسة الأميركية حولت القضية الكردية من قضية مظلومية إلى قضية ظلم واحتلال وصراع عرقي. صراع بات يحتدم ويزيد من نقمة السكان العرب ويهيئ المسرح لحروب أهلية قادمة. لقد ظهر ذلك بوضوح عندما سيطرت “قوات سوريا الديمقراطية” على مدينة الشدادي من تنظيم داعش، فقرر نحو ثلاثين ألفا من السوريين العرب الفرار جنوبا نحو دير الزور وريفها، أي نحو أماكن تواجد داعش، بدلا من الفرار شمالا نحو أماكن سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.

ويا لها من مفارقة، إذ كيف يفر المدنيون السوريون من جنة الاتحاد الديمقراطي نحو جحيم الخلافة.

(المصدر: العرب 2016-03-19)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات