أهلاً بكم في.. فِيدرالية «روج آڤا»!!
![أهلاً بكم في.. فِيدرالية «روج آڤا»!! أهلاً بكم في.. فِيدرالية «روج آڤا»!!](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/62b865605a9d4c42db7e7ee0b03da1f1.jpg)
ثَمْةُ «قاعدةٍ» يعرفها كل مَنْ تعاطى السياسة بجدية واحتراف، لا أولئك الذين طرأوا عليها أو تطفّلوا وراحو يمارسون مراهقة أو «طفولية» سياسية, تنحو نحو اليمين تارة، وغالباً ما تأخذ «اليسار» وُجهَة للمزايدة أو التحريف أو المغامرة التي تسبق المقامرة أو تتساوى معها في الأهداف.
المقولة أو القاعدة تقول: التوقيت هو» كل شيء»... في السياسة.
هكذا تماماً تُدار السياسات في الدول الناضجة وذات التجربة, وخصوصاً تلك التي تعمّقت لديها قواعد اللعبة الديمقراطية، وكان لطواقم المستشارين والخبراء دورهم ومكانة لتحليلاتهم أو قراءاتهم أو دراساتهم، بصرف النظر عمّا اذا كان سيؤخذ بها أم يتم «حفظها» على ما درج مسؤولو معظم الدول النامية, التأشير على أي مذكرة أو كتاب لا يُعجبهم بالكلمة الذهبية الوحيدة لديهم.. «تُحْفَظ».
ما علينا..
كُرْدُ سوريا الذين أسكرتهم – في ما يبدو – انتصاراتهم العسكرية ومسارعة القوتان الأكبر على الساحة السورية – والعالم بالطبع – الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية لـِ»خَطْبِ» وُدِّهِم، اختاروا الإعلان عن «فيدراليتهم» بما هي خطوة «أعلى» سياسياً وادارياً من منطقة «الادارة الذاتية» التي كانوا اعلنوها قبل فترة (كانون ثانٍ 2014) وازدادت ثقتهم بأنفسهم بعد تحرير «كوباني» وبروزهم كقوة عسكرية وسياسية ذات شأن في المشهد السوري (الشمالي دائماً) وخصوصاً قبل «اعتمادهم» أو الرهان عليهم كأوثق الحلفاء القادرين على مواجهة داعش, وبالتالي اضفاء «الشرعية» عليهم وخلع لقب «قوات سوريا الديمقراطية» على تحالفهم الذي يُشكِّل الكرد»عسكرياً» الغالبية العظمى فيه, (من خلال قوات حماية الشعب YPG), في محاولة من الاميركيين للالتفاف على اعتراض انقرة على التعاطي معهم, حيث لا ترى فيهم حكومة أردوغان سوى جماعة ارهابية، وامتداداً لقوات حزب العمال الكردستاني PKK.
واذا اثبت كرد سوريا قدرتهم على استقطاب عدد من القوى السياسية ذات النَفَسْ الديمقراطي أو تلك التي لا تُراهن على العمل العسكري أو ممارسة الارهاب أو الارتهان لمشروعات الدول الاقليمية، التي تسعى لبسط هيمنتها على سوريا واتخاذها منصة لمخططاتها المشبوهة، وخصوصاً تيار «قمح» برئاسة هيثم منّاع (الذي انفصل عن هيئة حسن عبدالعظيم)، فإن منّاع الذي رفض اكثر من مرة دعوات لحضور محادثات جنيف 3، ما لم يحضر الكرد وخصوصاً زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي PYD صالح مسلم, كان اول من رفضوا اعلان الفيدرالية الذي اصر كرد سوريا على اعلانه في توقيت يبدو أنهم لم يحسِبوه جيداً, وبالتالي واجهوا هذا الرفض غير المسبوق في «تنوّع» إن لم نقل تناقض الاطراف «الرافضة» في مواقفها من الازمة السورية, لكن ما جمعها – رفض الفيدرالية – يؤشر الى دلالات كان اجدر بكرد سوريا أن يقرأوها جيداً ويدققوا في ابعادها, قبل الاقدام على خطوة غير مُوفقة – رغم كل ما يحاولون ادعاءه – او هي دعسة ناقصة على ما بات واضحا الان, وبخاصة في انفضاض بعض العشائر العربية عن ذلك التجمع الذي كانوا ينضوون تحته منذ عامين «الادارة الذاتية» والتي لم تكن تثير الشكوك على النحو الذي برز الان بعد الاعلان عن كانتون «روج آڤا» الذي قيل فيه ان هناك من نصحهم (من حلفائهم السوريين) بأن لا يستخدموا الاسم الكردي للمنطقة (غرب كردستان او روج آڤا) الا انهم لم يأخذوا بالنصيحة, ومضوا الى الاعلان مع بيانات وتصريحات زادت من الشكوك والهواجس اكثر مما طمأنت.
ما زاد التوجس والارتياب في الاعلان, هو ان الكانتون المُسمى «روج آڤا» لم يعد يضم تلك المناطق الكردية التاريخية (رغم ان الكرد لا يُشكلون فيها اغلبية, لاسباب لا مجال لذكرها الان, وإن كانت في الاساس بسبب توزع المكون الكردي على كامل الجغرافيا السورية, نظراً لاعتبارات عديدة سلطوية وقانونية وديموغرافية ومحاولات للطمس على هويتهم وغيرها من الاجراءات التي لا نحسب انها كانت حصينة أو تتماشى مع حقوق الانسان), بل امتدت مساحة هذا «الاقليم الفيدرالي» لتشمل تلك المساحات والمدن والارياف التي وصل اليها «عسكر» الحزب وقواته التي هي جزء من قوات سوريا الديمقراطية (أقله ما هو مُعلن).
هذا «الضم» إن جاز التعبير, اثار المخاوف لدى كثيرين ما دفع البعض منهم الى ربط مسألة موافقته على اعلان (فيدرالية روج آڤا) بأن يكون هناك «تعهد» من القائمين على الاعلان, بأن لا تكون خطوة الفيدرالية مُقدمة للانفصال عن سوريا, وهو تعهّد, إن تم او لم يتم, لن يكون له أي اثر قانوني أو تبعات, لأن المسألة لا تتعلق بالنيّات بقدر ما تفرضها موازين القوى ومعادلة التحالفات.
في السطر الاخير... يبدو أن كرد سوريا قد وقعوا في «الفخ» ولم يدققوا جيداً في ابعاد وتبِعات قرارهم المتسرّع هذا, وإلا كيف نفسر هذا الالتقاء في رفض «الفكرة» بين دمشق وانقرة وموسكو وواشنطن وطهران.. (وغيرهم بالطبع, مثل هيئة رياض حجاب وفصائل مُسلّحة).
إنها اولاً وقبل كل شيء مسألة «التوقيت» الذي هو كل شيء في السياسة, ما بالك في منطقة مهتزّة الخرائط مُترنِحة المُكوِنات, لا تعرف الاستقرار ولا «مواعيد» الحرائق والانفجارات والزلازل؟
(الرأي 2016-03-20)