أُوباما في كوبا.. إفلاس سياسة الحصار!

تم نشره الإثنين 21st آذار / مارس 2016 01:08 صباحاً
أُوباما في كوبا.. إفلاس سياسة الحصار!
محمد خروب

لا ترقى الزيارة التي يقوم بها الرئيس الأميركي باراك اوباما الى العاصمة الكوبية هافانا، عن تلك الزيارة التي وُصفت وقتذاك بالتاريخية (كما توصف زيارة اوباما اليوم) التي قام بها الرئيس الاميركي «الجمهوري» ريتشارد نيكسون الى العاصمة الصينية بيجين قبل 44 عاماً (شباط 1972)، نظراً لاختلاف المناخات والأجواء الدولية وما تركته المُتغيرات العاصفة على النظام الدولي, قبل انتهاء الحرب الباردة وخصوصاً بعدها، ناهيك عما اصبحت عليه الولايات المتحدة من ارهاق وتعب وتراجع في المكانة والنفوذ لأسباب عديدة, اقتصادية وجيوسياسية وعسكرية، فضلاً عن أكلاف فشلها في التفرّد بقيادة النظام الدولي الجديد, التي ظنت انها قادرة على الامساك به والتحكم في مساراته بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وانهيار حلف وارسو وارتفاع منسوب التنظير والضخ الاعلامي المُبَرّمَج الذي نهضت به الأبواق الامبريالية ذاتها, ساعدها في ذلك انظمة ومفكرون وكُتّاب ومُنظّرون ورجال دين (في الديانات الثلاث حتى لا ينسى أحد)، «آمنوا» بأن «النصر» الذي احرزته الرأسمالية وخصوصاً نسختها الجديدة (النيوليبرالية) التي دشنها رونالد ريغان في ثمانينات القرن الماضي (فيما كانت الحرب الباردة توشك على وضع أوزارها, بعد ان رفع سيء السمعة والصيت ميخائيل غورباتشوف الراية البيضاء).قد حُسِمَ لصالح الرأسمالية.

ما علينا..

أياً كان الوصف الذي سيرافق زيارة اوباما الى كوبا، وما اذا سيغدو الرئيس الذي يستعد لمغادرة البيت الابيض الرئيس الاميركي «الأول» الذي يزور كوبا منذ 88 عاماً، اي قبل انتصار الثورة الكوبية المجيدة في 1959 بثلاثين عاماً، فان للزيارة هذه دلالاتها ورسائلها وتداعياتها, يصعب على الطرفين الكوبي والاميركي تجاوزها او تجاهلها او التنكر لها, وبخاصة ان «النظام» الاميركي قد اعترف الآن (بل منذ بدأت رحلة التطبيع خطواتها الخجولة في العام 2014) بأن سياسة الحصار الخانق والعقوبات القاسية التي اتخذها بحق الثورة الكوبية وقادتها قد اثبتت فشلها، وهو يأتي (أوباما) على وقع حال الافلاس التي ميزت نصف قرن من العِداء الشرس وغير الاخلاقي, الذي وصل الى ادنى درجات الانحطاط والوحشية, عبر المحاولات التي لم تتوقف لاغتيال الزعيم الكوبي فيدل كاسترو, فضلاً عن دعم غزوات واعتداءات المُنشقّين الكوبيين, الذين دربتهم ومولتهم وسهّلت لهم المخابرات المركزية ما عُرف حينذاك بغزو خليج الخنازير (في مثل هذه الايام 9 نيسان 1961) فضلاً عن أزمة الصواريخ التي افتعلها الرئيس الاميركي «الشاب» كينيدي, والتي كادت ان تتحول الى مواجهة نووية، لولا ان تغلبت الحكمة وقدّم الطرفان السوفياتي والاميركي تنازلات, لم تكمن في سحب الصواريخ السوفياتية فحسب,بل الاهم ان موسكو انتزعت من واشنطن تعهداً «مكتوباً» بعدم الاقدام على غزو كوبا او دعم اي غزو معادٍ لها.

بانتظار الخطاب الذي سيلقيه اوباما في مسرح هافانا الكبير, وما اذا كان سيجده فرصة لتقديم تنازلات للوبي الكوبي القوي في واشنطن (يتردد في الدوائر الاميركية النافذة ان اللوبي الكوبي المعارض ,لنظام الحكم في هافانا, والمنتمي في غالبيته لليمين الاميركي في الحزب الجمهوري, انه اللوبي الثاني في قوته بعد اللوبي اليهودي الذي يتمركز في نيويورك, فيما اللوبي الكوبي يتمركز في الجنوب القريب من كوبا وتحديداً في ميامي حيث انطلق غزو خليج الخنازير).

ارضاء اوباما (في خطابه يوم غد) للوبي الكوبي, سيكون مساهمة منه في دعم المرشح الديمقراطي للرئاسة الاميركية, وهو إن اختار ذلك, فإنه سيواصل تكرار الاسطوانة الاميركية المشروخة التي لم يعد أحد يُصدّقها او يأخذها بجدية, وهي الحديث عن حقوق الانسان ودعم منظمات المجتمع المدني (NGOs) وغيرها من الادوات «المحلِّية» التي تشكل مخلب قط للعواصم الغربية في اميركا واوروبا, دون اهمال ان الرجل الذي بات صاحب عقيدة رئاسية (على ما نشرته مجلة ذي اتلانتك), سيُطالِب زعماء كوبا بتخفيف قبضة الدولة عن المجتمع واشاعة الحريات ودعم المبادرات الشخصية والانفتاح وربما «يَعِدها» بعضوية منظمة التجارة العالمية, اذا ما غيّرت «عقيدتها» الاقتصادية, وراحت تنفض يدها من القطاع العام المهترئ وغير التنافسي وغير المجدي, وترك الامور في يد اصحاب المبادرات والرساميل والحداثة واكتساب المعرفة وتوطين التكنولوجيا وغيرها من المصطلحات النيوليبرالية «البراقة», التي لا تفضي الا الى كوارث اقتصادية واجتماعية وتهميش وإفقار وعطالة المزيد من الشرائح الاجتماعية خصوصاً الطبقة الوسطى وتلك الادنى منها بكثير,فيما يزداد الاغنياء غنى وفجوراً وفُحشاً.

اوباما في كوبا, يعني أن اميركا انتقلت الى طور جديد في سعيها لشطب والغاء «ما تبقى» من «الشيوعية» في حديقتها الخلفية «السابقة», رغم انها «عانت» وما تزال, من عودة اليسار الماركسي والشعبي الى معظم دول اميركا الجنوبية, ليس عبر البنادق والثورات بل عبر صناديق الاقتراع وهو ما اقلقها وزاد من ارتباكها في التعامل مع ذلك اليسار الناهض, الذي يجد تأييداً واسعاً لدى جمهور اللاتينيين, لكن الامبريالية لا تستسلم بسهولة, ولهذا نرى ما نرى في البرازيل وفنزويلا وغيرهما, من اضطرابات ومحاولات للانقلاب على الشرعية بطرق غوغائية وبائسة.

(الرأي 2016-03-21)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات