مستقبل العرب في مواجهة تحدي تفجر المعلومات
![مستقبل العرب في مواجهة تحدي تفجر المعلومات مستقبل العرب في مواجهة تحدي تفجر المعلومات](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/d603e9de1fa3944d69375f5dee45d6b5.jpg)
لا يكفي أن يستفيد الإنسان اليوم من ثورة التقنيات الهائلة دون أن يفتح باب التساؤلات حول ما ستؤول إليه هذه الثورة، وطرق التعامل معها لاستيعاب المعلومات واستثمارها والتي أضحت إحدى اشكاليات المستقبل.
التسارع المعرفي والتكنولوجي لا يعرف حدودا
لا نستطيع اليوم أن نقرر بالتحديد مستقبل البشرية أمام هذا الكم الهائل والمفزع للمعلومات التي تتدفق في قنوات الإعلام الجديد، والفوضى للأفكار والمعلومات التي تزيد من القلق والإحباط واليأس للبشرية.
ويعد جهل الإنسان بكيفية التعامل مع المعلومة واستثماره لها، وافتقاده للمرجعيات التعليمية والمعرفية التي تؤهله لاستيعاب المعلومة وتقرير أهميتها ومصدرها، أحدى اشكاليات الحاضر والمستقبل، وهي إشكاليات ستتضخم وتنمو مادامت تكنولوجيا الإعلام تتطور بسرعة هائلة كل يوم .
يشهد عصرنا انفجارا معلوماتيا لا مثيل له في التاريخ، لأن الإعلام الإلكتروني يؤمن وسائل وأدوات إنتاج للمحتوى مجانية ومتوفرة وسهلة الاستخدام، حيث نرى أن الفيديو المنشور على يوتيوب يحتاج إلى ما يقارب 1700 سنة من أجل مشاهدته ويتم تحميل 24 ساعة من الفيديو على الموقع كل دقيقة. ويقدر العلماء أن 800 مليون معلومة توجه لكل شخص سنويا وأن معدل المعلومات الجديدة المؤكدة سنويا في تزايد كبير جدا.
ويمكن تكوين الثروة اليوم في السوق بواسطة المعلوماتية، أو عن طريق التفوق في حاصل الذكاء، وهذا ما حدث في تجارب عالمية كثيرة. وبشكل عام أصبح الذكاء، وهو قاسم مشترك وملك مشاع بين الشعوب، المقياس الجديد لتقدم الأمم، بعد أن كان المعيار هو مدى ما تملكه الأمم من ثروة المال أو ما تحتويه التربة من مادة أولية متفاوتة بين الشعوب غنى وفقرا.
ثلث كفاءات العالم المتخصصة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال من الهنود أو من أصل هندي
وبحسب المقاييس الجديدة لارتقاء الأمم، فإن الإنسانية تقف على عتبة سباق واحدة لتقفز الشعوب التي تهيئ كما ينبغي لمستلزمات الثورة الرقمية وتحسن استغلال ما يمكن أن توفره تكنولوجيا المعلومات والاتصال من منافع وآليات تساعد على حيازة مقعد ضمن مقاعد الأمم المتقدمة.
وفي التجربة الهندية على سبيل المثال، نجد أن الهند وهي المصنفة ضمن قائمة الدول الفقيرة النامية إذ يعيش 30 بالمئة من مواطنيها بأقل من دولار واحد في اليوم، دولة غنية بذكاء أبنائها، فاستقطابها لصناعة تقنية المعلومات مكنها من أن تصبح، في سنة 2003، المصدّر الرئيسي للبرمجيات إلى معظم بلدان العالم و خاصة الدول المتقدمة منها.
لقد استوعب هذا التصدير حوالي 62 بالمئة إلى الولايات المتحدة الأميركية و30 بالمئة إلى أوروبا. و تشير التوقعات الاقتصادية إلى أن قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصال الذي يشهد سنويا نسبة نمو تفوق 40 بالمئة، سوف يكون مصدر نمو ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 7 و8 بالمائة، و حينها ستتخطى قيمة صادراتها في هذا المجال قيمة 60 مليار دولار سنويا، وهو مبلغ يزيد عن ميزانية عدة دول مجتمعة.
كما أن 38 بالمئة من العاملين في شركات وادي السيليكون بالولايات المتحدة الأميركية هم من الهنود أو من أصل هندي، وحوالي ثلث كفاءات العالم المتخصصة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال هم كذلك من الهنود أو من أصل هندي.
ولم تعد الصين تلك الدولة المعروفة بالصين فقط، بل أصبح لدينا الآن أكثر من صين. ويعني ذلك أقاليم الصين وعلى وجه التحديد داليان (Dalian) وشانتو(Shantou) ومناطق شنغهاي، وهناك حوالي (30) منطقة في الصين تشبه سنغافورة.
الكم الهائل والمتنامي للمعرفة يحتاج إلى تنظيم سريع ومستمر لمن يريد أن يستخدمه وهذا محل التقدم
ويلاحظ أن التصور الذي يحمله الساسة وأصحاب القرار في الوطن العربي عن مجتمع المعلومات، تصور يمكن وضعه في خانة الخطاب الموجه للاستهلاك الخارجي، ولا يخرج عن إطار التسويق السياسي. ومن هذا المنطلق عمدت مختلف الحكومات العربية إلى إنشاء وزارات للتكنولوجيات الجديدة أو تغيير التسميات القديمة. وغير خفي على أحد، أن هذا الخطاب السياسي يضمر عداء لفكرة مجتمع المعلومات ويتجلى ذلك في التردد والتخوف من الانعكاسات المحتملة للثورة المعلوماتية على المجتمعات العربية بما فيها مسألة دمقرطة الحياة السياسية والمشاركة والمساءلة وحرية الإعلام.
وما يزال الواقع السياسي في الوطن العربي بعيدا عن توفير أجواء الانخراط التام في مجتمع المعلومات، وهو في أمس الحاجة إلى التحديث، ومن المؤكد أن الحكومة الإلكترونية، تظل رمزا للتعامل الوظيفي والفعال مع المواطن، بما يحقق الاستجابة السريعة لانتظاراته في إطار اتصال اجتماعي حكومي واضح المعالم. ووكالة لقياس فعالية الحكومة والإدارة العمومية من حيث كونهما جهازا في خدمة المواطن لا العكس، ولا شك أن تطوير شكل ومضمون الحكومة الإلكترونية يعد رديفا للتحديث السياسي المنشود.
ويؤكد خبراء المستقبل أن حجم المعرفة سيتضاعف كل سبع سنوات؛ أي أن حجم التراكم من هذه المعرفة خلال السنوات المقبلة سيكون مساويا أو يزيد على ما تراكم من معرفة إنسانية منذ بداية التاريخ البشري المسجل، وأن هذا الكم الهائل والمتنامي للمعرفة يحتاج إلى تنظيم سريع ومستمر لمن يريد أن يستخدمه وهذا محل التقدم، وأن العقل البشري هو محور هذه الثورة لأنه يمثل طاقة متجددة لا تنضب، وأن الثورة المعلوماتية الثالثة لن تكون حكرا على تلك المجتمعات كبيرة المساحة أو ضخمة السكان أو الغنية بموادها الأولية، أو القوية بجيوشها التعليمية، إنما يمكن لجميع الشعوب أن تخوض غمارها سواء أكانت كبيرة أو صغيرة شرقية أو غربية. ويتطلب دخول الدول العربية إلى مجتمع المعلومات، ضرورة نقـل وتوطين التقنيات المعلوماتية، وبالتالي توفير بنى أساسية (تحتية وفوقية) من أجل الاستثمار لتنمية صناعة الاتصالات والمعلومات وتخطي الحاجز اللغوي في تقنيات المعلومات والاتصالات، مع إعداد خطة وطنية للمعلومات وتحديد أهدافها وحصر المؤسسات ذات العلاقة وتحديد المهام والواجبات والأدوار المؤدية إلى تحقيق الأهداف.
فهل العرب مستعدون لمواجهة هذه الثورة الكبيرة والتعامل معها بإيجابية لتأسيس مجتمع معلومات تجدد العقل العربي لنهضة شاملة، أم أنها ستكون وبالا علينا، لأن العقل العربي سينفتح على آفاق المعلومة المريضة والسريعة والهابطة؟ والمهم الآن أن نعرف أن المقبل مختلف !
(المصدر: العرب اللندنية 2016-03-22)