أردوغان في مرمى النيران

تم نشره الثلاثاء 22nd آذار / مارس 2016 12:52 صباحاً
أردوغان في مرمى النيران
ياسر الزعاترة

في اليوم التالي لهجوم اسطنبول الانتحاري (أي الأحد، وكان الهجوم السبت)، بدا الإعلام الصهيوني حائرا بين الحزن على ثلاثة إسرائيليين قتلوا في الهجوم، وبين الغبطة بمزيد من تورط أردوغان. وكانت النتيجة هي استخدام الهجوم، وما سبقه من هجمات في التحريض على الرجل، واتهامه بالتحالف مع تنظيم داعش. وكانت المفاجأة أن منفذ الهجوم كان من تنظيم الدولة وليس من حزب العمال كما هو حال هجوم أنقرة، وهجمات أخرى سابقة. ليس من العسير القول إن أردوغان يتعرض لهجوم وتآمر واسع النطاق من مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، وما جرى مع الأوروبيين فيما خصّ صفقة اللاجئين إنما هو خيار الاضطرار لا أكثر، فيما تتواصل عمليات التحريض عليه. أما واشنطن فما قاله أوباما (عن أردوغان) في مقابلة “أتلانتيك” المطولة يعكس المزاج الأمريكي حيال الرجل، وقبله الموقف الحازم في رفض إقامة المنطقة العازلة في سوريا لاستيعاب اللاجئين. العلاقة الاقتصادية بين تركيا وإيران لا تنفي التوتر الرهيب بين البلدين، فهي حاجة متبادلة (قد تلتقيان على رفض فيدرالية الأكراد في سوريا)، لكن شبه الثابت أن العناصر المتطرفة في حزب العمال لها صلات مع إيران التي استخدمتها للضغط على أردوغان لتغيير موقفه في سوريا. في قراءة هذا الذي يجري، يمكن القول إن أردوغان لا زال يدفع ثمن مواقف مبدأية أكثر منها سياسية بمفهوم البراغماتية السياسية، ولغة المصالح التقليدية. سلسلة المواقف المبدأية تبدأ بسوريا، وحيث كان لتركيا علاقات قوية مع النظام السوري كانت لها فوائد اقتصادية جمّة، مقابل ما جره النزاع عليها من مصائب، لكن ذلك لم يحل بين أردوغان وبين الانحياز للشعب الثائر. ورغم ذلك، لم يسلم من الهجاء بسبب تهديداته الكثيرة التي لم ينفذها ضد بشار، من دون أن يرى الهجاؤون أن الرجل ليس حاكما مطلقا في بلاده مثل آخرين يمكنهم أن يقرروا ويفعلوا ما يشاؤون، بل هو شخص يعرض نفسه على الناس عبر صناديق الاقتراع، وهو يقود بلدا منقسما لم يحصل سوى على نصف أصوات شعبه، حتى وهو يحقق نجاحات مذهلة شهد بها العالم أجمع، وهو أيضا لا يسيطر تماما على الجيش والأجهزة الأمنية مثل حكام العالم الثالث. الموقف المبدأي الآخر، والذي سبق سوريا يتعلق بقصة سفينة مرمرة، وهنا لم تأت ردة فعله القوية سوى تعبير عن ضميره في رفض العلاقة مع الكيان الصهيوني التي ورثها من العهود السابقة؛ في تجاهل لسطوة الكيان الدولية، وها هو يعود مكرها لمساعي التطبيع من دون جدوى، وحيث يردد قادة الكيان بشكل مستمر، أن العلاقة لن تتحسن بوجوده (يعني أنهم يعوّلون على إنهاء حقبته)، معتبرين أن له “موقف أيديولوجي” من الكيان برمته. الموقف الثالث هو الموقف من مصر (الدولة الثالثة الكبيرة في الإقليم)، وهنا أيضا كان يعبر عن ضميره أكثر من تعبيره عن موقف سياسي براغماتي، يتمثل في التعامل بطريقة أخرى مع نظام بدا مستقرا منذ حدوثه ، وما نعرفه ويعرفه كثيرون هو أن ذلك كان الرأي الذي يتبناه أوغلو وكثيرون في الحزب (الرئيس السابق غول قال في حوار قبل أيام إن أردوغان يعبر في الموضوع المصري عن رأيه الشخصي). هل سيتغير المسار بعد الخسائر التي ترتبت على المواقف إياها؟ يبدو ذلك، وسياسات الدول تفرض إيقاعا مختلفا عن سياسات قوى التغيير، فضلا عن الأفراد بشتى تصنيفاتهم. وكما قاد أردوغان مسارا متدرجا في التعامل مع وضع صعب داخليا، فإن الوضع سيفرض عليه ذلك في السياسة الخارجية، ويبدو أنه اختار أن يترك ذلك لحكومته، أو لحزبه بدل التراجع الشخصي. ما ينبغي أن يُقال رغم ذلك كله، هو أن تركيا ليست وحدها المأزومة بتطورات الإقليم، فالكل مأزوم، بمن فيهم جميع من ذكرنا، ما سيدفع إلى تفاهمات ما توقف هذا النزيف الذي لم يستفد منه سوى الكيان الصهيوني والقوى الإمبريالية. متى؟ لا ندري.

(الدستور 2016-03-22)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات