شهر على «الهدنة».. أين من هناك؟
يكتمل اليوم «شهر» على وقف الأعمال «العدائِية» في سوريا، بعد ان كان دخل حيز التنفيذ في 27 شباط الماضي, ولم يكن احد ليُخاطِر بابداء اي نوع من التفاؤل ازاء خطوة كهذه, لم تنجح في «الاقلاع» طوال خمس سنوات من عمر الأزمة السورية، كانت اطراف اقليمية ودولية ترفض مجرد التفكير فيها, ظناً منها انها ستسمح لـ «النظام» بالتقاط انفاسه، فيما هي كانت تَجزم – وليس مجرد تعتقد – ان سقوط النظام مسألة وقت، وانها قادرة على حسم الامور وراحت تُحدِد تواريخ السقوط، مُنذِرة من يسعى الى وقف او عرقلة هذه «السيرورة» بالعقاب والحرمان من شرف انتصار «الثورة»!
ما علينا..
لم تكن التي تُوصف «بالهدنة» لتستمر وتحظى بهذا الاعجاب الاميركي والاطراء الاوروبي والرضى الاقليمي (على مضض في واقع الحال) وصمت معارضة وفد الرياض التي فوجئت بصمود الهدنة وانضمام المزيد من الفصائل المسلحة (وصل عددها الى 43) اليها، لولا المُتغيرات الميدانية التي فرضت نفسها على المشهد المواجهة العسكرية, وبخاصة الاختلال العميق والاستراتيجي الذي طرأ على موازين القوى ,في الشمال السوري وعلى جبهات ارياف حلب وصولاً الى الحدود التركية التي دفعت انقرة الى اعتبار «إعزاز» خطاً احمر, رغم ان جبل التركمان في ريف اللاذقية لم يحظَ بهذه المكانة، ما عكس ارتباكاً ومفاجأة وانعدام حيلة في الدرجة الاولى.
لم يُغيّر الانسحاب الروسي «الجزئي» شيئاً في موازين القوى, وهو ما انعكس في مفاوضات «جنيف 3» حيث لاحظنا «هبوطاً» في نبرة الغطرسة والاستعلاء التي مارسها قبل «الجولة الاولى» وفد هيئة رياض حجاب, الذي ابدى تَمنَّعاً ورفعاً في سقوف شروطه، ما لبثت ان تراجعت في الجولة الأخيرة، رغم انها انحصرت لديه في مسألة يعلم انها غير قابلة للصرف او التداول , لاسباب ما تزال قائمة منذ الجولة الاولى، ولم يطرأ اي تغيير «جوهري» يدفع الطرف الحكومي الشرعي الى التنازل عنها وهي مسألة بقاء الرئيس السوري في الحكم، خارج اطار التفاوض او البحث، ما ادى في نهاية الجولة التي انتهت للتو، الى»رضى» الطرفين عن الصيغة التي قدمها المبعوث الخاص دي ميستورا, والتي وُصِفت منهما بأنها اساس جيد لاستئناف المفاوضات في الشهر المقبل, الى ان بدأ»التصويب» عليها من قِبل هيئة رياض حجاب, وزادت حِدّتها بعد لقاءات جون كيري في موسكو, مع الرئيس بوتين ورئيس دبلوماسيته لافروف, وبروز اشارات واضحة على ان «تفاهمات» جدية قد توصل اليها الطرفان, اثارت (التفاهمات) قلقاً لدى هيئة رياض حجاب, دفع «رموزها» الى اطلاق حملة من التشكيك والغمز من قناة واشنطن تماماً مثلما يُوجِهونها الى موسكو, التي يقولون علناً انهم «لا» يثقون بها, في الوقت عينه, الذي يطلبون منها «الضغط» على النظام, كي يقبل بمرحلة انتقالية تتولاها هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات, كما يتوهمون ويواصلون التمسك بها, ظناً منهم أن العالم سيبقى عند «خاطِرِهم» وأن ازمة خطيرة كهذه بدأت تداعياتها تفرض نفسها على المعمورة بأسرها, ستبقى متمسكة برضى أو عدم رضى هذه «الهيئة» التي تزداد الاسئلة الكبيرة حول مدى تمثيلها وقدرتها على تنفيذ اي اتفاق يمكن التوصل اليه على ارض الواقع, لأنها بالفعل غير مُمَثّلَة في الميدان, حتى «الكذبة» المُسمّاة «الجيش الحر» لم يعد له وجود بعد أن تبخّر واندمج ما تبقى منه مع داعش والنصرة واحرار الشام ومن يحمل خطابهم الارهابي و يُروّج له.
يقول كبير المفاوضين في هيئة رياض حجاب, محمد علوش: إن المفاوضات الاخيرة لم تُؤتِ ثمارها, ويعترف علناً أنه «لا» يثق بالدور الروسي, ثم لا يلبث ابو يحيى الشامي قائد عام حركة «احرار الشام ,وصف المفاوضات الاخيرة بأنها لا تلبي متطلبات الشعب, بل هي تُعيد انتاج النظام, الى ان يقول ان الثورة بلغت رشدها ولن ترضى بأنصاف الحلول. ليُكمِل الناطق باسم هيئة رياض حجاب, رياض نعسان آغا المشهد على النحو التالي: أن منطلق الحل السياسي, هو تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات, طِبقاً لقرار 2254 واستناداً الى بيان جنيف, على أن لا يكون للاسد واركان حكمه... دور فيها.
هي اذاً, لعبة توزيع ادوار تأخذ طابع المُزايدة ورفع السقوف, في تجاهل لمُخرجات الساعات «الثماني» التي امضاها كيري مع بوتين ولافروف, وكان أحد أبرز «علاماتها» عدم الاشارة الى مسألة»مصير الاسد», في الوقت ذاته الذي منحا فيه دعمهم الكامل لمحاربة الارهاب ودفع الحل السياسي للأزمة قُدماً على ان تُمثّل فيه كل المعارضات السورية (كما قال لافروف بحضور كيري).
استمرار «الهدنة» اشارة الى عزلة وعدم امتلاك هيئة رياض حجاب, أي تأثير في مُجريات الميدان, وليس استعادة قلعة تدمر وحدوث الاختراقات الاستراتيجية في شرق دمشق (الغوطة) واتساع رقعة المُصالحات,سوى إشارة بأن سوريا مُقبِلة على مرحلة جديدة, أقله تراجع دور الارهاب والمُعارضات المُصطنَعة, أمام جهود جلب الهدوء لسوريا, تمهيداً لمرحلة حوار «سوري سوري»... عميق وجدّي ومسؤول.
(الرأي 2016-03-27)