سيرك دولي بالمجان !!
مئات الكتب التي صدرت في الغرب وبمختلف اللغات خلال هذا العقد وكانت مكرّسة لما شهده كوكبنا من انقلابات كوبرنيكية على صعيد التكنولوجيا والنزاعات الإثنية وما يسمى حروب الهوية تبدو الان كما لو انها تعيد النظر بما تصور البعض انه من المسلمات والبديهيات . فهل دخل الغرب كما يقول امين معلوف في كتابه اختلال العالم الى هذه الألفية الجديدة ببوصلة معطوبة ام ان من صوّروا القرن الحادي والعشرين كما لو انه يوتوبيا اصيبوا بعدة صدمات أفقدتهم الرشد والتوازن ؟ وحين كتب توفلر قبل عقود كتابه الشهير صدمة المستقبل والذي تحدث فيه عن متغيرات تعصف بالتاريخ الكلاسيكي، لم يصل خياله الى ما بلغه الواقع الان، بحيث طوّر الارهاب أدواته وأساليبه واصبح يهدد منجزات الحضارة في عقر عواصمها، وما يكتبه الغربيون الان على ما بين اطروحاتهم من تباين وتفاوت في الرؤى يعيدنا الى تلك الحمولة الثقيلة من الاستشراق لكن مع اضافات تليق بما انتهى اليه انسان ما بعد الحداثة، وما تنبأ به جورج اورويل يبدو متواضعا اذا قورن بهذا العبث الذي حوّل حياتنا الى مسرحية من طراز بانتظار غودو او المغنية الصلعاء، فالتناقض بلغ ذروته بين ما يقال وما يمارس ميدانيا سواء تعلق الأمر بالديموقراطيات او الشفافية او حقوق البشر، فالشعارات الانسانوية ذات الوميض الفسفوري ممنوعة من اي صرف، ومن يزعمون حراسة الانسان وكرامته هم القراصنة المدججون بكل هذه الاسلحة الابادية، فما هو حلال على القوي حرام على الضحية والمسألة تجاوزت ما يسمى ازدواجية المعيار الى شيزوفرينيا سياسية واخلاقية ذات انتشار وبائي ! والارجح ان ما قاله معلوف يستمد صدقيته ودقته مما انتهى اليه المشهد الكوني الذي اصبح غابة بلا طريق وفضاء يحول دون الوصول اليه هذا الانسداد الذي شمل الافاق كلها .
(الدستور 2016-03-29)