مَنْ يَسْبِق إلى طرابلس: السرّاج أم.. «داعش»؟
ليس في الامر مبالغة، اذ تلوح في الافق امكانية بروز تحالف – سيكون خطيرا اذا ما قام – بين فصائل وكتائب المُسلَّحين الذين يسيطرون على العاصمة الليبية طرابلس، وخصوصا جماعة فجر ليبيا «الإخوانية» التي تحتضن حكومة خالد الغويل المُتخندِقة فيها، والرافض رئيسها, في شكل قاطع, دخول رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السرّاج, الذي هو الاخر لم ينجح حتى في نيل ثقة مجلس نواب طبرق، ودائما لعدم اكتمال النصاب، حيث المناورات الحزبية والكيد السياسي والصراع على المكاسب لم يتوقف، في الوقت ذاته الذي ادارت فيه الدول الاوروبية (دع عنك الجامعة العربية العاجزة والمُتواطِئة التي تعيش خريفها الدائم, ما بالك بعد ان بدأ نبيل العربي – وما ادراك ما نبيل العربي – جمع حقائبه استعدادا لتقاعده المريح الذي أمّنُه بعد ان حيّد الجامعة او قل وضعها في خدمة الساعين لالغائها ودفنها).
نقول: ادارت الدول الاوروبية واميركا ظهورها لليبيا وشعبها، بعد ان دمروا هذا القُطر العربي المُدَمّر والمسلوب قراره, سواء في عهد الاخ قائد الجماهيرية ام في عهد ثوار الاطلسي الذين اكملوا ما بدأه القذافي وجلسوا على خرائب ليبيا, بعد ان نهبوا خزائنها وسمسروا لنفطها وصفقات الاسلحة وأُكذوبة إعادة الاعمار.
ما علينا..
إخفاق المجلس الرئاسي في ايصال نفسه ورئيس الحكومة العتيدة فايز السراج الى طرابلس العاصمة ليمارس مهامه، ما يزال متواصلا، ولم يستطع رغم كل المواعيد التي اعلنها لوصوله, وما قيل عن ترتيبات امنية ستتخذ وفي حال انتهائها سيكون وصوله مسألة وقت ليس الا، فاذا بالمُمْسِكين بطرابلس والمُحْكِمين قبضتهم على رقاب سكانها وفضائها الجوي, يرفضون «دخولاً» كهذا تحت طائلة المنع بالقوة وعدم السماح لطائرته بالهبوط..فيما يتراجع دور المبعوث الاممي الخاص مارتن كوبلر، بعد ان تجاوزته كل الاطراف، وسحب الاتحاد الاوروبي وواشنطن – وإن في شكل غير معلن. الغطاء عنه. – ما بالك ان ثوار طرابلس وحكومة الغويل, رفضوا هبوط طائرته في مطار العاصمة وقالوا له لا نريدك هنا.
قد يكون الدعم الذي قدّمَته «كتائب» مدينة صبراته العسكرية وهي كتائب ذات قوة عسكرية وتنظيمية لا يُستهان بها (عددها 62 كتيبة)، بل تعتبر وازنة ومُرجِّحة كفة من تنحاز إليه، هو الأمر الايجابي الوحيد الذي نشأ ولفت الانظار، منذ الاعلان عن حكومة التوافق وقبل اندلاع الخلافات الراهنة, الكفيلة بنسف كل الجهود التي بذلت واطاحة كل الاتفاقات السابقة التي وُقِّعت في الصخيرات المغربية ولاحقاً الاتفاق الأخير الذي لم يجد له من يُوافق عليه ويمنحه الثقة وخصوصاً في طبرق, حيث يفترض ان يحظى السرّاج بدعم وثقة مجلس نوابها، لكن الاخير واقع في الانقسام والتنافس على المكاسب والحقائب والأدوار، رغم النجاحات العسكرية «النسبية» التي احرزتها قوات الحكومة المُعتَرف بها دوليا (...) في السيطرة على معظم مدينة بنغازي, ومنع داعش من إحكام قبضته على الهلال النفطي شرقي مدينة سرت عاصمة امارة داعش) وصولاً الى البريقة واجدابيا حيث مصافي النفط والتصدير.
احتمال التدخل الخارجي (الاطلسي بالذات) اخذت تتراجع, وبخاصة بعد الرفض المُطلق لتدخل كهذا من قِبَل القاهرة وتونس وخصوصاً الجزائر وتردد ايطاليا (بما هي المُستعِمر القديم والأم الحنون المزعومة لمستعمرتها السابقة) في التورط بغزو كهذا، لن يكون نزهة، في حال حدث(رغم قولها انها لن تتدّخل الا بطلب من حكومتها المُعترَف بها دولِياً) لأن الفوضى والفلتان الأمني باتا في ليبيا اكبر وأوسع, من ان ينجح»الطليان» في احتوائهما او إخمادهما، ما بالك ان دول الجوار الليبي ترفض خطوة كهذه، وتُهدِّد بعدم التعاون مع تداعياتها؟
ماذا عن داعش؟
المؤشرات تشي بأن حكومة طرابلس «الإخوانية» ستُقاوم بالقوة اي محاولة لقدوم المجلس الرئاسي ومباشرة فايز السراج مهمته على رأس حكومة وفاق وطني، ولهذا تتكاثر الشائعات عن فتح خطوط بين قوات فجر ليبيا (الفصيل الأقوى في طرابلس) وقيادات داعش في سرت, بل هناك من تحدث عن وجود خلايا نائمة لداعش داخل العاصمة, تَسْتعِد لمقاومة اي محاولة «عسكرية» لاقتحام طرابلس بالقوة وتمكين السراج من دخولها.
يبقى السؤال الاكثر اهمية, ما اذا كان الذين دمّروا ليبيا واشاعوا الفوضى والخراب فيها(القوى الاطلسية الإستعمارية) سيواصِلون ترك ليبيا وشعبها لمصيرهم؟ ام ان داعش ستستفيد من هذا الصمت (إقرأ الفراغ) وتُسارع الى مَلئِه وفرض واقع ميداني جديد, تجعل من طرابلس امارة جديدة وربما بديلاً من دولة الخلافة في الرقة والموصل, اللتين على وشك السقوط وتحريرهما من رجس داعش وشروره؟
.. الأيام ستقول.
(الرأي 2016-03-30)