مُعلّبات إعلامية !!
اكثر الفضائيات اثارة للضجر هي تلك التي يحزر المشاهد ما سوف تقوله سواء كان الحدث زلزالا او مجرد نبأ عابر، وينطبق هذا ايضا على صحف مؤدلجة لا ترى في الواقع وحراكاته غير ما تود رؤيته، وهناك كتاب يستطيع القارىء ان يجزم بما سيقولونه حول اي حدث لأنهم ايضا لا يرون غير ما يريدون ولا يصغون الا لصدى اصواتهم، وفي الحالات كلّها قدر تعلقها بهذا السياق فإن ما يحكم هو الوعي، وقابليته للنمو، واصحاب المواقف المسبقة لا يرون اية استثناءات في المشاهد التي يقرأونها، وبالنسبة اليهم فإن البقر كله اسود في الليل كما قال هيجل . والليل هنا هو حالة العمى سواء كانت ايديولوجية، تنتهي الى التحجر الدوغمائي او التوقف عن النمو عند مرحلة ما، بحيث يصبح ما يعقبها خارج المدار ! وقديما ايام ساعي البريد وقبل هذا الانفجار التكنولوجي على صعيد التواصل، كان الناس يقولون ان اسوأ الرسائل هي تلك التي يعرف المرسل اليه تفاصيلها قبل ان يقرأها، واختصروا هذه المسألة بعبارة المكتوب يُقرأ من عنوانه والأدق من مرسله ! ان نظرية انصر اخاك او رفيقك ظالما او مظلوما جرى تحديثها لكن بعد افراغها من المحتوى والدلالة، فالظالم قد يكون بادئا بنفسه قبل الآخرين، والانتصار له ليس تبرئته من اخطائه بقدر ما هو دفع له كي ينتصر على نفسه اولا ما دامت النفس امّارة بالسوء ! الاعلام غير الداجن يخلق لدى المتلقي حالة من الاستقبال ويشحذ فضوله لأنه قد يفاجئه، بعكس الاعلام المعلّب الذي انتهت صلاحيته منذ عقود، لكن ما تجدر الاشارة اليه هو ان المغامرة وعدم الخضوع لثقافة القطعنة تتطلب قدرا من الديموقراطية وحرية التعبير، لأن الانسان في غياب هذه الحرية يفضل السير في الطرقات المطروقة، لهذا يقع الحافر على الحافر، ويكون التشابه والتكرار مضجرا بديلا لما هو مفاجىء حتى لو كان صادما !
(الدستور 2016-03-30)