أصفار مذعورة !!
كان الصّفر منذ اقدم الازمنة مثارا لتأمل فلاسفة وشعراء، فهو ان كان في اللغات حلقة مفرغة او دائرة من العدم فهو في لغتنا وحواسيبنا مجرد نقطة، قد تسقط سهوا من قلم غير محكم الاغلاق، لهذا كتبت باحثة ألمانية ذات يوم ان السهولة التي يكتب بها الصفر بالعربي ربما كانت هي السبب في ما اضافه احد الاثرياء العرب الى الرقم الذي دفعه في ملهى ليلي اثناء مباراة بينه وبين ثري لاتيني من اجل راقصة ! حتى في النقد الادبي وجد الصفر مكانا كما هو الحال في كتاب شهير لرولان بارت بعنوان الكتابة في درجة الصفر، رغم انه ليس الادنى في اي حساب، فقد يكون مطلبا لأهل الاسكيمو وسيبيريا عندما تصل درجة البرودة الى ثلاثين او اربعين درجة تحت الصفر، لكن ما اعنيه بذعر الاصفار من اي رقم حتى لو كان الرقم واحد هو انها رغم كونها لا تساوي شيئا بمفردها، يصبح الرقم الذي يقترب منها ألفا او مليونا او ترليونا، انها اشبه بالعامل المساعد في المختبر تؤدي وظيفة لما يتخطاها . وقد يكون الصفر سواء كان مجدر نقطة حبر بالعربي او دائرة مفرغة بلغات وحواسيب اخرى بحجم سلسلة جبال او قارة، لكنه يبقى صفرا ولا شيء آخر، لهذا فالنفخ فيه او مطّه لن يغيّر من الامر شيئا . واذكر ان الفيلسوف وعالم الرياضيات برتراند راسل كان ذات يوم في حوار مع احد تلامذته، وفجأة سأل التلميذ قائلا : عندما تجمع ارقاما او تطرحها او تضربها الا تسأل نفسك عمّ تتحدث، فالخمسة هل هي ابقار ام ثمر ام ايام ؟ وكان بذلك يعبّر عن ضيقه بالتجريد وربما كان هذا احد اسباب اشتغاله بالسياسة، فقد كرّس آخر ايامه للتبشير بالسلام وندد بالتسلح النووي وقاد مظاهرات من اجل الانسانية وهو يتجاوز التسعين ! اليس من حق الاصفار ان تصاب بالذعر اذا اقترب منها اي رقم حتى لو كان مجرد واحد، لأنها عندئذ ستكون فقط في خدمته ويتعدد الى ما لا نهاية من خلالها، لكن ما ان تبقى مجرد اصفار فهي عدم ! هل نعتذر عن كتابة كهذه في عصر تحولت فيه الاصفار الى ارقام صعبة والارقام الصعبة الى اصفار او نقاط تسقط سهوا من اقلام غير محكمة الاغلاق !!
(الدستور 2016-04-03)