"5 أعوام" بلا فساد!
جهد استقصائي مدهش بُذل ضمن ما عُرف باسم "أوراق بنما"، بعد تسريب قرابة 11 مليون وثيقة لشركة "موساك فونسيكا" في بنما، والمختصة بتقديم المساعدة القانونية للشركات.
الوثائق تكشف كيف أنّ الشركة المذكورة ساعدت مئات الشخصيات في العالم على التهرب الضريبي وغسل الأموال؛ إذ كانت تحيط عملها بسرية كاملة، منذ 40 عاماً، قبل أن تكشف التسريبات التي حصلت عليها صحيفة ألمانية، وتداولتها مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، وتمت دراستها وتحليلها عبر 107 مؤسسات إعلامية في 78 دولة.
الوثائق تضمّنت بيانات حول شركات سريّة في الخارج، أو تلك التي تعمل في مناطق "آمنة ضريبياً"، ويطلق عليها مصطلح "أوف شور"، للحدّ من الضرائب المطلوبة، أو للتحايل على القانون. واحتوت الوثائق على أسماء زعماء وسياسيين بارزين في العالم، وفي العالم العربي على وجه الخصوص، مثل عائلة الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، والرئيس الليببي السابق معمّر القذافي، والرئيس السوري الحالي بشار الأسد، وآخرين.
أردنيّاً، سلط التحقيق الاستقصائي الضوء على ملف رجل الأعمال الأردني خالد شاهين، وشركات الـ"أوف شور" العديدة، التي أسسها في المناطق الآمنة في الخارج، والتي تتسم بالسريّة.
الملف أعاد فتح قضية توسعة مصفاة النفط، التي حوكم عليها شاهين وعدد من مسؤولي المصفاة حينها، نظراً لارتباطها بشركة "أوف شور". وجرى تتبع الشركات التي أسسها شاهين في الأردن، على الغرار نفسه، منذ بداية نشاطاته المالية في البلاد، قبل حوالي ربع قرن.
أهمّ ما تعلّمناه من الحقب الماضية، ومن تسريب الوثائق الجديدة، هو أنّنا أمام خيارين في إدارة الدولة عموماً والشأن الاقتصادي خصوصاً؛ إما أنّ تكون دولة قانون فوق الجميع، مع شفافية، ورقابة وحاكمية حقيقية، لا تسمح بالصفقات السريّة ولا بالألغاز، كما قرأنا في ملف توسعة المصفاة، أو قبلها في الكازينو، وملفات أخرى شبيهة؛ أو تكون دولة صاحب الظل الطويل والأشباح واللهو الخفي، وشبكات غسل الأموال والتهرّب الضريبي والتسيب في المال العام!
الخيار الأول هو الذي يحمي المسؤولين والسياسيين والدولة والأمن المجتمعي، ولا يقطّع أوصال العلاقة بين الدولة والمجتمع. أمّا الخيار الثاني، فهو الذي أدّى إلى الثورات الشعبية و"الربيع العربي"، والحراك الشعبي سابقاً في الأردن، ولطّخ سمعة الدولة بالفساد، واحتجنا أعواماً لنتخلص من آثاره المباشرة.
أمس، افتخر رئيس الوزراء د. عبدالله النسور (خلال لقائه وفداً عراقياً)، بأنّه لا توجد هناك قضية فساد واحدة، أو إشاعة فساد خلال الأعوام الخمسة الأخيرة. وهو بطبيعة الحال يشير إلى حقبة تتجاوز شاهين، فيمكن وضع أسماء عديدة وملفات كثيرة محل اسم شاهين، إذ عبرنا مرحلة ضبابية مقلقة أضعفت مصداقية الدولة وأربكت علاقتها مع الشارع، وأثارت الشكوك والريبة ولوّثت الثقة بالنخبة السياسية والمسؤولين.
بالطبع، من حقّ رئيس الوزراء أن يفتخر بخمسة أعوام خالية من الفساد، ونتمنّى أن نشاركه الفرحة حقّاً. لكن المطلوب أن نؤجّل ذلك قليلاً ونتريّث قبل إطلاق مثل هذا الإعلان المهم، وانتظار مغادرة الحكومة الحالية "الدوّار الرابع"، ليحكم الآخرون؛ فهذه القضايا تظهر بأثر رجعي، كما شاهدنا في ملف شبكات الشركات الخاصة بالأبناء والأقارب، أو ما يمكن أن نسمّيها "نظام بوبوس"، كما يعرف كل من شاهد فيلم عادل إمام الشهير!
(الغد 2016-04-05)