الإخوان المسلمون والانتخابات
إعلان "جمعية" جماعة الإخوان المسلمين عن نيتها المشاركة في الانتخابات المقبلة، يرجح أن مبادرة التصويب القانوني لم تكن سوى عملية إعادة تسجيل قانونية، من دون تصحيح مسار الجماعة أو مراجعة حقيقية وجادة لفلسفتها وأهدافها. وهذا يعزز مخاوف سابقة طرحت عند الإعلان عن تسجيل الجماعة في 3 آذار (مارس) 2015، من أن تواصل الجماعة الجديدة اتجاهات الجماعة السابقة، والتي ساهمت في إفساد التدين والعقد الاجتماعي المنظم لحياة وعلاقات المجتمع والسوق والأفراد والسلطة السياسية، وتدمير الروابط والدوافع الأساسية المحركة للناس في المشاركة والانتخابات، لتحل مكانها روابط ودوافع دينية وقرابية منفصلة عن تنظيم ولاية المواطنين والمجتمعات على الموارد، وقدرتهم على التأثير في السياسات والتشريعات المنظمة لحياتهم، وإضعاف الرابطة القانونية والهوية الجامعة للدولة والمواطنين.
الإخوان المسلمون بالتعريف والمضمون، حركة اجتماعية تهدف إلى التأثير في السياسات والمجتمعات والأفراد باتجاه أهدافها التي سجلت على أساسها، ولكنها لا تشارك مباشرة في العمل السياسي والعام؛ سواء كان ذلك مشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية والنقابية أو المشاركة باسمها في السلطة التنفيذية، لأنها بذلك تتحول من حركة اجتماعية إلى حزب سياسي، وثمة فرق جوهري بين عمل وفلسفة الأحزاب والحركات الاجتماعية.
ترشح الشيخ الراميني، أحد أعضاء الإخوان المسلمين للانتخابات النيابية في العام 1950. وكتبت عنه مجلة "الأردن الجديد" بأنه يعتمد على تأييد الإخوان المسلمين في عمان. فأرسلت الجماعة ردا نشر في العدد التالي للمجلة، جاء فيه أنه "ليس للجماعة مرشح للانتخابات"، وأنها "تدعو أعضاءها العاملين والمؤيدين أن ينتخبوا الرجل الصالح كل في حسب اعتقاده في حدود الحرية التي أتاحها له الدين والقانون كمواطن أردني". وأظن أنه بيان للإخوان المسلمين في حينه يعبر عن إدراك عميق ومتقدم لرسالة الجماعة، ومعنى وحدود المواطنة والمشاركة العامة، تحتاج الجماعة اليوم أن تعود إليه.
فالحركة الاجتماعية هي الجهود المنظمة التي يبذلها عدد من الناس المؤثرين بهدف التغيير أو مقاومة التغيير في المجتمع، وتعتمد على إكساب مجموعة من الأفكار والمبادئ والقيم والأخلاقيات قبولا واسعا، من خلال تعبئة الجماهير. وهي تسعى إلى تحسين مواقع الفئة الاجتماعية، كما تسعى أيضا إلى التأثير في بناء القوى الاجتماعية من خلال التوافق أو الصراع الاجتماعي، ولكنها لا تسعى إلى إحراز السلطة السياسية ولا امتلاك المؤسسات السياسية التقليدية.
هذه الاستقلالية بين التأثير وبين العمل المباشر هي التي تمنح الجماعات قوتها وصدقيتها، وتجعلها عنصر مشاركة مع جميع الاتجاهات والأفكار من غير مصلحة مباشرة. ولكنها حين تزاحم الأحزاب السياسية، فإنها تفقد بوصلتها بالنسبة لأهدافها المنشئة، وتمضي في مسار جديد مختلف في طبيعته وأدواته وأهدافه. الأحزاب السياسية ليست خطأ ولا عيبا بالطبع، ولكن لكل نوع من المنظمات والتجمعات فلسفته وأساليبه في التشكل والعمل والمشاركة.
(الغد 2016-04-06)