البحث عن قبر آمن !
من قالوا: إن هذا الكوكب أصبح قريتنا لم يخطر ببالهم ان استباحة الحريات الشخصية وانتهاك مصائر البشر سيحول هذا الكوكب الى غرفة، لكن من طراز تلك الغرفة في مسرحية لسارتر بعنوان الحلقة المفرغة، بحيث يجد بضعة اشخاص انفسهم مضطرين لممارسة حياتهم ووظائفهم العضوية امام بعضهم في غرفة مغلقة، وانتهى سارتر الى اطلاق مقولته الشهيرة وهي: «الجحيم هو الآخرون» تعبيرا عما اراد قوله في المسرحية التي ترجمت الى العربية مرّتين وبعنوانين هما الحلقة المفرغة والجلسة السرية . بدأتها ويكيليكس ولا ندري من الذي سيضع لها نهاية فالناس اصبحوا اكثر شفافية من أبو بريص بحيث يظهر حتى نخاعهم في اجهزة التصوير، واوشك عدد الكاميرات في العواصم الكبرى ومنها لندن ينافس عدد السكان، وقدمت احداث الحادي عشر من ايلول الاميركية ذريعة جديدة رغم ان هناك من مثقفي العالم مَن توقع ذلك قبل عقود ومنهم ميلان كونديرا الذي كتب مقالة مطولة بعنوان كثافة الدولة وشفافية الفرد، فالدولة تزداد عمقا وكثافة، لكن الافراد بما يملؤونه من الاستمارات وبما يرصدهم من كاميرات يزدادون شفافية، واذكر ان مواطنا اميركيا عاديا قال لشبكة سي . ان . ان بعد زلزال منهاتن انه ليس مستعدا لأن يتنازل عن نصف حريته مقابل نصف أمنه، والسجال لا يزال على اشده بين من يبحثون عن توازن بين حرياتهم والأمن المنشود لحمايتهم من الإرهاب!. واذا صحّ ما يشاع عن كون كل ما نقوله ونفعله حتى في الحمامات وغرف النوم مرصودا فإن مقولة سارتر تصبح تصويرا دقيقا للواقع وان الجحيم هو الآخرون . وحين بشّر البعض بنظرية العلم من أجل العلم فقط حتى لو سخر العلم لتطوير ادوات التعذيب وتحديث تقنية الكذب وجدوا من يقول لهم: ان العلم بهذا المعنى المطلق منزوع الدسم الأخلاقي وهو سلاح ذو حدين، تماما كما قيل ذات يوم عن نظرية «الفن من أجل الفن فقط» !. فهل يأتي يوم لا يجد فيه الإنسان مكانا آمنا يستحم فيه أو يهمس فيه بما يؤرقه؟. عندئذ لن يجد غير القبر بيتا آمنا اذا لم تتمدد الكاميرات إلى المقابر !.
(الدستور 2016-04-06)