«اقرأ معي» لمواجهة الخراب في الثقافة والصحافة
في مشهد سوريالي غير مسبوق نرى في امة العرب من يصفق للخراب في زمن حروب الطوائف. هذه الحروب تقود الواقع العربي الى الهاوية ، أو قاعها الاكثر سوادا ، وتجر معها ، في شمول رمادي عام ، الكيانات السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية ، والصحافة والثقافة، وكل مكونات الهوية العربية..
المواطن العربي العادي يعرف ويتابع تفاصيل الازمات السياسية والاشتباكات العسكرية في البلاد العربية ، وتداعياتها على الواقع الاقتصادي والاجتماعي. كذلك كتب الكثيرون حول تدهور الثقافة ، وأزمة الصحافة الورقية في بلاد العرب ، ومنها صحافتنا المحلية.الكل اجمع على ضرورة دعم الحراك الثقافي ، وايجاد حلول جذرية مرضية لازمة الصحافة ، من ناحية التطوير المهني والتقني ، أو من ناحية تدخل الحكومة الفوري ، وانا على يقين بأن رئيس الحكومة الدكتور عبدالله النسور يعرف حقيقة المشكلات التي تعاني منها الصحف ، كما يدرك طبيعة هموم العاملين فيها ، لأنه من اهل بيتها ولامس مشكلاتها وطرق علاجها عندما شغل منصب رئيس مجلس ادارة « صوت الشعب» في فترة ازدهارها عام 1984.
الصحيفة ليست وسيلة اعلام فحسب ، بل هي أحد أهم عناصر تكوين الوعي الوطني ، وتخدم الدولة والمجتمع ، لذلك تحتاج الى كل الدعم والمساندة من القطاعين العام والخاص ، كما تحتاج الى فزعة من السلطتين التشريعية والتنفيذية ، من اجل الحفاظ على ديمومتها باعفائها الكامل من الرسوم والضرائب ، ورفع اسعار الاعلانات والاشتراكات ، لأن أسعار الاعلان في الصحيفة الاردنية هي الارخص في العالم.
وفي هذه المساحة اريد الكتابة عن ازمة الثقافة وهمومها ايضا ، لأن الهوية الثقافية العربية في خطر ، ولأن الثقافة العربية تتكون اليوم في رحم سياسي مريض ومشوه ، هو نتاج حروب الطوائف. وبهذه المناسبة اسمحوا لي ان استحضر قول الثائر الاممي تشي غيفارا ، وللمرة الثانية ، وهو: « الشعوب الجاهلة يسهل التلاعب بها « ، وهو بذلك يكشف عن حجم مصيبة الامة التي لا تقرأ.
الحقيقة انني أكتب عن الثقافة بمناسبة. ففي يوم واحد قرأت خبرين حول مناسبتين: الاول من موريتانيا، عن مبادرة اطلقها شباب في نواكشوط لاحياء النشاط الثقافي ، واعادة الحراك للحياة الثقافية تحت عنوان «اقرأ معي» عبر التبرع بالكتب وحث الشباب على المطالعة من اجل تعزيز المعرفة. وهي مبادرة طيبة لاقت اقبالا واسعا، وتحتاج الى الدعم والتشجيع والتعميم ، خصوصا في الوقت الذي نرى فيه تلاشي عادة المطالعة في الوسط الشبابي العربي ، وحيث تختفي المكتبات من الشوارع والاحياء في معظم العواصم العربية ، ضمن الخراب الشمولي العام ، لتاخذ مكانها المقاهي ومطاعم الوجبات السريعة المزدحمة بالرواد من الشباب.
أما الخبر الثاني فهو خبر ثقافي محلي ، يتعلق برابطة الكتاب وجوائزها الادبية المدعومة من سجل الجمعيات في وزارة التنمية الاجتماعية. وفي الخبر دلالة على واقع ومعاناة الاديب والكاتب والمثقف الاردني ، خصوصا ان الجائزة الواحدة لا تتجاوز الالفي دينار ، وهي اقرب الى المعونة الاجتماعية التي توزعها الوزارة على المحتاجين.
هذا الخبر يدعونا الى فتح ملف الثقافة والفن في الاردن ، لأن الادباء والفنانين الاردنيين هم من ضحايا الحروب الطائفية في البلاد العربية ايضا. واذا كان الضرر قد أصاب المبدعين العرب ، بسبب التوتر العام والتدهور الامني والاقتصادي، فهو امتد الى المبدعين الاردنيين ، والكثير منهم اصابه ضرر مباشر طال قوته اليومي.
لذلك يجب وضع خطة لتنشيط الحياة الثقافية والفنية ، ودعم المبدعين في حقل الفن والادب ، ولكن ليس عبر وزارة التنمية الاجتماعية ، بل المطلوب من الحكومة ووزارة الثقافة القيام بهذا الواجب من خلال تخصيص جوائز سنوية للعطاء المميز، وبمقدار لائق يضمن للمبدع حياة كريمة ، اضافة الى ضرورة دعوة الشركات المالية والانتاجية الكبرى المشاركة في دعم الثقافة والفن والرياضة ، وتنمية المحيط الاجتماعي بشكل فاعل اوسع.
في النهاية أدعوك للعودة الى واجب المطالعة وقراءة الصحيفة والكتاب من اجل المشاركة في اصلاح الخراب الذي أصاب بلاد العرب ، واقول لك «أقرأ معي «.. لأن الشعوب الجاهلة التي لا تقرأ يسهل التلاعب بها..
(المصدر: الرأي 2016-04-07)