من التقليد إلى التقريد !!
كانت قامة العربي فيما مضى تعادل قامته كإنسان، بهذه العبارة اختصر انطون مقدسي الكثير مما يمكن قوله عن عقد النقص واللااستحقاق وأخيرا المحاكاة التي تتجاوز التقليد الى التقريد!. وحين اكتشف الرائد ابن خلدون ان المغلوب يسقط في فخّ الغالب حين ينجذب اليه ويرى فيه الأنموذج الذي يحتذيه، كانت قامة العربي بدأت تقصر قياسا الى قامته كإنسان، وتنامت هذه الظاهرة بمرور الوقت وتعاقب الانكسارات، حتى اصبح قدر العربي دائما هو ان يكون المشبّه لا المشبه به، فالكاتب اذا استحق الاعتراف والإطراء يصبح تولستوي او موباسان العربي، والمغني اذا أبدع يصبح سيناترا العرب، والمغنية تحظى بلقب اديث بياف او ماري ماتيو العرب حتى الممثل اذا حقق شهرة واسعة ونجاحا يصبح مارلون براندو العرب أو انطوني كوين العربي، وبالمقابل لا نجد فرنسيا او انجليزيا او روسيا او المانيا يفعل ذلك؛ إنها الآفة التي افتضحها ابن خلدون ومن اقتفوا خطاه في الكشف عن امراض الذات الجريحة، التي ترى في الآخر الأقوى مثالها ونموذجها . لقد اجاب اجدادنا عن هذا السؤال المزمن حين قالوا: إن مغنية الحي لا تطرب وإن لا كرامة لنبي في وطنه ولو بقي بعض المشاهير من العلماء والأدباء العرب في النطاق الكوني في بلدانهم لما ظفروا بهذه المكانة، لكننا استوردنا حتى الاعتراف بهم من غيرنا . ان فاقد الشيء لا يعطيه ولن يعطيه على الإطلاق، ومن يشكُ من فقر شديد في الثقة بالنفس فهو غير مؤهل للحكم على الناس وعلى ما يستحقون، ومن آفات التخلف التي قلما يشير اليها الفقهاء في هذا الداء اضافة الى الاختزال والتسطيح ما يسميه علماء النفس ازدراء الذات، فهي لا تحترم من تتصور انه يشبهها، والشعوب التي أصيبت بهذا الوباء النفسي إثر هزائمَ وانكسارات سرعان ما شفيت وتماسكت بفضل مفكريها ومثقفيها؛ لأنهم نجَوْا من الإصابة وتلقحوا وقاية منها !!.
(الخليج 2016-04-11)