مسؤولية المجتمع المدني تجاه التعليم

تم نشره الأربعاء 13 نيسان / أبريل 2016 12:56 صباحاً
مسؤولية المجتمع المدني تجاه التعليم
مروان المعشر

لم يعد سرا على أحد تراجع التعليم في الأردن خلال العقود الماضية، وبما أصبح يهدد الأمن الاجتماعي وضمان مستقبل زاهر للبلاد. وليس مقبولا لأي حكومة أن تكون نسبة البطالة بين الشباب ثلاثين بالمائة، وأن لا تكون هناك خطة ناجعة وطويلة الأمد لتخفيض هذه النسبة، بخلق فرص عمل حقيقية، وإلا فنحن بصدد قنبلة موقوتة سيهدد انفجارها الأمن والاستقرار والازدهار والحداثة المنشودة.

أصبح واضحا اليوم أن وزارة التربية والتعليم لا تريد الاعتراف بالمشكلة؛ إذ لا أحد يقول إن "زيته عكر"، وذلك رغم النتائج السلبية الواضحة لمخرجات التعليم، من حيث عدم قدرة النشء الجديد على المنافسة بشكل واسع في الأسواق المحلية والإقليمية. والمنافسة هنا لا تقتصر على اكتساب المهارات التقنية، وإنما تشمل أيضا تطوير طرق التفكير والقدرة على حل المشاكل والتفكير النقدي، ناهيك عن القدرة على الإبداع والابتكار.

وحتى حين تواجَه الوزارة بمغالطات واضحة في المناهج، وحتى أيضا في الحالات التي يتم تعديلها، تعزو الوزارة المشكلة إلى أخطاء فردية هنا وهناك، فيما المشكلة الرئيسة تكمن في غياب فلسفة حداثية للتربية، حاضنة للتنوع ومشجعة للتفكير النقدي والمساءلة والتمحيص فيما يدرس. إذ ما تزال العقلية السائدة هي محاولة تعليم الطلبة ماذا يفكرون، بدلا من تعليمهم كيف يفكرون بأنفسهم.

فلسفة التربية لا يجوز أن تُترك لوزارة التربية والتعليم وحدها، والتي هي اليوم قاصرة عن استيعاب التنوع في المجتمع ورافضة لاحتضانه والاحتفاء به، سواء أكان هذا التنوع داخليا أم خارجيا. فيما لم تكن الحضارة العربية الإسلامية في عصورها الأولى إلا منفتحة على الحضارات الأخرى، وخاصة الفارسية واليونانية؛ ولم تكن تضيرها الاختلافات الثقافية والدينية مع هذه الحضارات، فاغتنت بها وأغنت أوروبا وغيرها، فما بالنا اليوم مرعوبين من التعددية والانفتاح؟! وبأي منطق نعلم النشء أننا وحدنا نمتلك الحلول كافة لعموم المشاكل؟!

كلما تكلم أحد عن التعليم تتهمه الوزارة بأنه أو أنها من الهواة. وإذا كان الاحتراف أوصلنا لبطالة ثلاثين بالمائة، فلعله لا بأس من إسهامات بعض "الهواة"؛ من تربويين قدامى وسياسيين ونشطاء في المجتمع المدني، علّ الأساليب العلمية التي يتبعونها في نقد المناهج تعوضهم عن إقصائية "محترفي" الوزارة.

لقد حان الوقت لعدم ترك الموضوع بيد الحكومة-أي حكومة- وحدها، بعد أن أصبح واضحا أنه ليست هناك جدية في إعادة نظر جذرية في فلسفة التربية والإطار الفكري الذي يحكمها، وبما يؤدي الى مفهوم جديد حداثي للتعليم.

مسؤلية الانتقال من دائرة التشخيص إلى دائرة الفعل المبادر، تقع على عاتق المجتمع المدني الذي من واجبه العمل لتوعية الرأي العام بشأن ما يجري في مناهجنا ومدارسنا، من خلال مؤسسات مجتمع مدني حداثية تتسلح بالعلم والمعرفة والالتزام والموارد اللازمة لخوض معركة قد تكون من أهم معاركنا؛ معركة ستأخذ وقتا طويلا، لكنها جديرة بأن تُدعم من قبل من يغار على مستقبل هذا البلد ومستقبل أجياله.

هل هناك كتلة حرجة ممن هم مستعدون لتوظيف بعض من قدراتهم أو وقتهم أو جهدهم من أجل هكذا مشروع، سيُحارَب بالتأكيد ليس فقط من قبل الوزارة، ولكن أيضا من قبل كل من هم ضد الحداثة والدولة العصرية القائمة على الإنتاجية لا الريعية؟ وهل هذه الكتلة مستعدة لمواجهة كل الاتهامات المعلبة التي لا تدل إلا على الإفلاس الفكري لأصحابها، وفشلهم الذريع في مواجهة تحديات العصر؟

لا يكمن الحل في إقامة المدارس الخاصة لأبناء وبنات الميسورين، وإنما في رفع سوية التعليم للعامة. وأدعو كل المهتمين بذلك إلى تكاتف الجهود من أجل مشروع وطني يقوده المجتمع المدني. وللحديث عن المشروع بقية.

(الغد 2016-04-13)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات