إصلاح التعليم بما هو تحالفات اجتماعية
متابعة لدعوة د. مروان المعشر ("الغد"، 13/ 4/ 2016) إلى الدور المجتمعي في إصلاح التعليم، يمكن الحديث عن التحالفات الاجتماعية لأجل الإصلاح وبناء مواجهة واقعية مع التحديات وتنظيم المجتمعات باتجاه أولويات وأهداف واضحة ومحددة.
ثمة مصالح لجميع الطبقات والفئات لتفعيل التعليم الحكومي، بمن فيها النخب الاقتصادية والاجتماعية التي تتطلع إلى تعليم خاص ومتميز أو إضافي، والمستثمرون في التعليم الخاص. فمن غير تعليم حكومي فاعل، لن يزدهر التعليم الخاص ولن ينشأ في مجال التعليم استثمار حقيقي مؤسسي وراسخ. وفي ذلك يمكن أن تنشأ شبكة تحالفات اجتماعية شاملة لأجل إصلاح التعليم.
لقد ثبت أن اللجوء إلى المدارس الخاصة هربا من تراجع التعليم الحكومي، أفسد التعليم الخاص وحوّل الترهل الحكومي إلى واقع متقبل، بل وإلى شبكة معقدة من المصالح الفاسدة القائمة على ضعف التعليم. فالتعليم الخاص لم يعد يملك الدافع والحوافز لتطوير نفسه، لأنه ليس في حالة تنافس أو حاجة إلى استقطاب التلاميذ والمعلمين الأكفاء. ويدفع المواطنون اليوم أقساطا للمدارس الخاصة تفوق قدراتهم، مقابل خدمات تقل في جودتها ومستواها عما يدفعونه، بل هي ليست أفضل مما تقدمه المدارس الحكومية.
الطبقات الوسطى والفقيرة لم تعد ترسل أبناءها الى المدارس الخاصة في سياق تعدد الخيارات، ولكن لأنه لم يعد لها خيار، بل إن الكثير من الأسر تتقبل ضعف مستوى التعليم الخاص كأمر واقع وتعيش حالة من الإذعان؛ فهي تدفع فوق طاقتها بلا مقابل ولا عائد حقيقي. لقد تحول التعليم إلى همّ وقلق اقتصادي اجتماعي وتنظيمي؛ فالآباء والأمهات يمضون المساء كله في متابعة تدريس الأبناء، ولولا ذلك فإنهم لن يتعلموا شيئا يذكر. وكثير من الأسر التي ترسل أبناءها إلى المدارس الخاصة تعتمد، إضافة لذلك، على التدريس الخصوصي.
وتتشكل منظومات اقتصادية واجتماعية حول مصالح فاسدة ناشئة عن ضعف التعليم، مثل المؤسسات التعليمية التي لا تستثمر في تطوير كفاءتها ومستواها وتعتمد على سوق تلقائية، والتعليم الخصوصي غير الرسمي، ودكاكين الخدمات التعليمية غير القانونية، مثل الملخصات والمساعدة في البحوث والواجبات المدرسية والجامعية، والنزعة الطبيعية لدى الأساتذة والإدارات التعليمية في القطاعين العام والخاص نحو عدم التعليم والتحضير والمتابعة، بل إن مدارس وجامعات خاصة صارت تسوق نفسها على أساس السهولة في النجاح والتسامح في تقديم محتوى تعليمي أو سلوك اجتماعي لائق ومنضبط، والتساهل والشللية والانحياز في اختيار الكفاءات التعليمية والإدارية، فلماذا توظف مدرسة أو جامعة خاصة كفاءات مهنية متقدمة وفي مقدورها أن توظف أقارب ومحاسيب بكفاءات ضعيفة وحملة شهادات متدنية أو أقرب إلى الوهم؟
الإصلاح لم يعد فكرة عامة أو شعارا يهتف به متظاهرون وناشطون، ولكنه شبكة واسعة من العمل القاسي المملّ، يعي بوضوح أو يسعى في بناء وعي واضح للأهداف والمطالب العامة والتفصيلية في التعليم والمناهج والسياسات والمهارات، ويعمل على مستويات وشبكات مركزية وفرعية للمؤسسات الكبرى ولكل مدرسة وبلدة وحيّ، ويحدد بوضوح وتفصيل ما يمكن ويحب أن يقدمه كل مواطن أو مؤسسة؛ الآباء، والمستثمرون، والمرشحون للانتخابات النيابية والنقابية والبلدية، والناشطون الاجتماعيون والسياسيون، والمعلمون والمديرون، والنواب، والمسؤولون، والمتضررون من سياسات وواقع التعليم وإدارته وتنظيمه والمتطلعون إلى إصلاحه، والفئات المعنية على نحو محدد أو متخصص في التعليم مثل المعوقين وذوي صعوبات التعلم والمهتمين بالتعليم المستمر، ومزودي الخدمات للمدارس والجامعات الخاصة والرسمية.
(المصدر: الغد 2016-04-14)