بين أحلام أوباما وضعيف!
ثمّة مفارقة لطيفة خطرت لي وأنا أقرأ في مذكرات عبدالسلام ضعيف؛ الوزير والسفير السابق في حركة "طالبان" (خلال مرحلة الإمارة)، والذي أمضى أكثر من أربعة أعوام في سجون غوانتانامو.
المفارقة تتمثل في المقارنة بين مذكراته ومذكرات الرئيس الأميركي باراك أوباما، في كتابه "أحلامٌ من أبي: قصة عرق وإرث". وسأؤجل الحديث عن "وجه المفارقة" إلى أن أشرح حيثياتها في المذكرات أولاً.
إذ إن كلا من أوباما وضعيف عاشا في ظروف اجتماعية صعبة في مجتمعيهما. ولو تجاوزنا فترة طفولة أوباما في أندونيسيا، ووقفنا عند ما يرويه عن حياته كمراهق، ثم طالب جامعة من أصول أفريقية (African American)، فسنجد كيف أنّ الظروف الاجتماعية المحيطة (أجواء المجتمع "الأميركي الأسود")، كما يقّر هو نفسه (ربما كنوع من النقد الذاتي الاجتماعي)، كانت تدفع به -كباقي زملائه- إلى نمط حياة مختلف؛ إلى اللامبالاة، والمخدرات، والفشل في العمل، وربما الجريمة، وصعود نزعة العداء للعرق الأبيض.
هكذا كان يصوّر لنا أوباما المحيط الاجتماعي له، وكيف أنّه صارع ليخرج من هذه الحالة، وليرسم طريقاً مختلفة له، وصلت به إلى العالم السياسي والحزبي، ثم المرور بمرحلة العمل النيابي، وأخيراً الرئيس الأسود الأول للولايات المتحدة الأميركية.
على الطرف الآخر، من يقرأ رواية عبدالسلام ضعيف عن حياته وطفولته، في محافظة قندهار، حيث الفقر، والجوع، والحرمان، والصراع الداخلي الدامي خلال فترة الهيمنة السوفياتية، واللجوء إلى باكستان خلال تلك المرحلة، كما والده الذي توفي وهو صغير، يجد معنى اللجوء والاضطهاد والخوف والقلق اليومي...
وسطه الاجتماعي السُنّي البشتوني المحيط، "أحلام والده"، الذي يدرّس القرآن في مسجد صغير في قرية، وبالكاد يصل حدّ تأمين لقمة الخبز، من حوله أبناء اللاجئين في باكستان، حيث الطريق الوحيدة المتاحة للعلم عبر مدارس تدرس القرآن والعلوم الشرعية، مع غياب فرص العمل، وانعدام الحياة المدنية...
تلك الظروف المحيطة (السيسيولوجيا) لم تكن لتنتج لنا أفضل من صيغة زعيم في حركة "طالبان"، بوصفه النموذج الأعلى ضمن هذا السقف؛ فلم يكن هنالك خيار آخر، سوى مقاتل عادي في الحركة، أو مدمن مخدرات، أو شخص في حركة أخرى، وربما لاجئ بسيط في باكستان، هذه هي النتائج المتوقعة في العادة.
إذن، عبدالسلام ضعيف هو نموذج متقدّم متطوّر، يمثل أعلى السلّم، ضمن الشروط والمدخلات أو الحدود التي عمل ضمنها، فهو ليس نموذج فشل، بل نجاح مطلق، مقارنةً بأمثاله من الأفغان.
إذ كان من مؤسسي "طالبان" بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. فخلال أعوام الصراع الدامي بين "المجاهدين" الأفغان، الذين تحوّلوا إلى أمراء حرب، واقتتلوا، وأشاعوا الفوضى في طول البلاد وعرضها، كان عبدالسلام ضعيف ضمن النواة الأولى التي عملت على تأسيس "طالبان"، مع الملا محمد عمر وآخرين، وهي الحركة التي يُنظر لها، ضمن المعايير الأفغانية، بأنّها أنقذت أفغانستان من الفقر والجوع، وأحلّت الأمن والسلم الداخليين، بالرغم من أنّها -في معاييرنا نحن- حركة متشددة متطرفة.
ولولا أنّ "طالبان" استقبلت "القاعدة"، وأنّ الأخيرة قامت بعمليتها في 11 أيلول (سبتمبر) 2001، لربما كانت إمارة "طالبان" قائمة إلى الآن، ولربما اعترف بها العالم لاحقاً، وأصبحنا نستقبل ضعيف في الدول العربية بوصفه وزيراً في دولة صديقة!
بالتوازي؛ كان من المفترض أنّ الشروط أو المدخلات نفسها تنتج أوباما مدمن مخدرات أو فاشلا، لكن "السيستم" هناك، والعملية الديمقراطية، كانت تمنحه مخارج عريضة، ومسارات بديلة هائلة، لتغيير النتائج والمخرجات. ومثل تلك المسارات البديلة لم تكن متوافرة في حالة ضعيف، وفي الظروف السياسية والاجتماعية الأفغانية.
(الغد 2016-04-15)