عن الإخوان وإغلاق مقراتهم
لا نعرف على وجه الدقة ما هي الرؤية التي استند إليها قرار إغلاق مقرات الإخوان الذي تابعنا الجزء الأول من تنفيذه يوم الأربعاء والخميس، كما لا نعرف ما إذا كان الأمر سيصيب بقية المقرات، أم سيتم الاكتفاء بما تم إغلاقه إلى الآن؟ ما يبدو هو أن الأمر ذو صلة بقصة الانتخابات الداخلية التي طُلب من الإخوان إلا يجروها، فأصروا على إجرائها كما هي العادة، فكان الرد الذي تابعناه. لم يكن من السهل على الإخوان أن لا يجروا انتخاباتهم الداخلية، لأن تنفيذ قرار من هذا النوع يعني أن عليهم أن يصبحوا مجرد جماعة هامشية تتلقى الأوامر وتنفذ، بينما يصنفون أنفسهم جماعة معارضة، وإنْ على نحو إيجابي كما يرددون دائما، وكما كانوا بالفعل طوال عقود. قد يستعيد البعض هنا قصة الجماعة المرخصة وغير المرخصة، وهو كلام لا صلة له بالوقائع السياسية التي يعرفها العالم العربي والإسلامي، وهي إن جماعات جذرية موجودة هنا وهناك لا يتعرض لها أحد إلا في حالات تهديد الأمن، وهو ما لم يحدث مع الإخوان الذين لم يهددوا أحدا في يوم من الأيام؛ تحديدا في هذا البلد. في التوصيف السياسي بعيدا عن الأمنيات والأوهام، يبدو طبيعيا أن تمارس أية سلطة ما وسعها من ضغوط، وتنفذ ما يمكنها تنفيذه من عمليات تحجيم لمعارضتها، وفق حسابات معينة، وكلما وجدت الأمر سهلا وميسورا، فمن الطبيعي أن تذهب أبعد شيئا فشيئا. لكن الأمر ليس كذلك دائما، إذ إن حسابات أخرى ما تلبث أن تطل برأسها، لا سيما أن الحالة الإسلامية في الألفية الجديدة لم تعد هامشية على نحو يمكن تحجيمها في المجتمعات؛ هي التي تمثل حاضنة لما يسمى الإسلام السياسي، وحين يُضرب الاعتدال، فمن الطبيعي أن يذهب البعض نحو التطرف، لأن الطبيعة تكره الفراغ، ومن يعتقد أن الفراغ يمكن أن تملأه تيارات ترى “من السياسة ترك السياسة”، فهو مُبالغ في تقديره، لأنه هذه مهما أخذت من حصة في الحالة الإسلامية، فستبقى محدودة، لأن الغلبة تبقى للتيار الذي يُعنى بهموم الناس، لا من يحيلهم إلى الطاعة والصبر؛ ونقطة آخر السطر. في أي حال، فما يأمله المخلصون هو أن تتوقف حالة الشد والجذب الراهنة، وسط هذه الحالة من الصخب في الإقليم، ويميل الوضع إلى التهدئة بدل التصعيد، سواءً فُتحت المقرات المغلقة أم لم تفتح، لأن الجماعات السياسية ليست أبنية ولا مقرات، بل عناصر يؤمنون بأهدافهم ويعملون على تحقيقها، وهي تبقى ما ظلوا على ذلك؛ يتحركون بين الناس، ويبشرون برؤاهم وبرامجهم. هناك رؤوس حامية تطالب بالمزيد، تحديدا في بعض وسائل الإعلام، لكن كثيرا منها لا يعي حقيقة الموقف وتداخلاته، ولا همَّ لها إلا ممالأة السلوك الظاهر، فيما يتوقع أن تكون للعقلاء رؤية أكثر اتزانا في التعامل مع الوضع. رؤية تغلب العقل والمصلحة على دعوات التصعيد التي لا تصب أبدا في مصلحة البلاد والعباد.
(المصدر: الدستور 2016-04-16)