ولِواشنطن.. خطوطها «الحمراء» في العراق, أيضا؟
على رغم فقدان مصطلح «الخط الاحمر» قيمته واهميته ودلالاته في استخداماته العربية على وجه الخصوص, ربما كان آخرها ما نطق به عقيلة صالح رئيس برلمان حكومة طبرق في ليبيا التي «كان» مُعترَفاً بها دولياً, قبل بروز تشكيلة فائز السراج الرئاسية عندما قال: إن بقاء الجنرال خليفة حفتر هو خط أحمر، وعلى رغم ما تَفوّه به عرب اليوم من تصريحات عنترية واخرى ذات طابع دراماتيكي يكاد المرء يظن بأن الحرب على الأبواب اذا ما تجاوز الاعداء (هل بمقدور احد ان يعرف مَنْ هو عدو العرب ومَنْ هو الصديق؟) الخطوط الحمر, وغيرها من المصطلحات فارغة المضمون التي اقتبسوها عن الغرب الاستعماري, ثم ما لبثوا ان تورطوا في مقارفات أسوأ منها، جعلت منهم أضحوكة إنْ لم نَقُل العوبة، على النحو الذي نراه في تكرار قولهم بأن الرئيس «فلان» هو جزء من المشكلة وليس جزءاً من الحل, ثم لا يلبثوا ان يبتلعوا ألسنتهم، عندما يُغيِّر السيد الاميركي (وغير الاميركي) لهجته وموقفه، على النحو الذي نراه الآن في الأزمة السورية, رغم ما يسعى اليه الاميركيون لإرباك مفاوضات جنيف السورية الراهنة, وإفشالها عبر اطالتها وترك معارضة مؤتمر الرياض, تُصدِر تصريحات ومواقف، يعلم الجميع انعدام قُدرتها (هي وحلفاؤها ايضاً) على ترجمتها او تغيير قواعد اللعبة فيها.
ما علينا..
ما يجري في العراق الآن، خطير ويُنذِر بتغييركبيرفي قواعد اللعبة غير المُستقِرة أصلا، التي سادت منذ التسوية السياسية التي أدّت الى صعود نجم حيدر العِبادي, وفشل «رئيسه» في حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون نوري المالكي, بالبقاء في موقعه رئيساً للوزراء لولاية رابعة، ثم في «إبعاد» اسامة النجيفي عن رئاسة البرلمان لصالح الاستاذ الجامعي سليم الجبوري، الذي يتعرض الآن لهجمة بدت في البداية مُنسّقة لاطاحته واعادة رسم خريطة او معادلة تحالفات واصطفافات جديدة، تلحظ ما يحدث في الاقليم, وما هو قيد التخطيط والتنفيذ، الأمر الذي يبدو أنه قد «أقلق» واشنطن بل وربما اضاء النور الأحمر في البيت الأبيض، الذي لم يتردد في ارسال جون كيري الى العراق لينقل «رسائل» عديدة وتحذيرات أكثر, في شأن اي محاولة للّمَس بـ»الثوابت» الاميركية السياسية منها والاستراتيجية, ثم تبعه الهبوط في عاصمة الرشيد, قائد القيادة الوسطى الاميركية جوزيف فوتيل, الى أن وصلت الامور «اميركياً» ذروتها بوصول المبعوث الرئاسي الاميركي بريت ماكفورك الى بغداد ولينْقُل عنه كل من التقاهم من القيادات العراقية :ان ما حصل ويحصل بالضد من رئيس البرلمان سليم الجبوري امير غير شرعي (وفي ذلك دلالة لا تخلو من رسائل حادة وخصوصاً باتجاه طهران) ثم لم تلبث مصادر عراقية عن رفع الامور الى مستويات اكثر حدة ودراماتيكية لتنقل طبيعة الموقف الاميركي (الغاضب كما يجب التذكير) من الازمة المُتفاقمة والمتدحرجة تدهوراً في العراق: إن ما عرضه كيري وماكفورك هو البعد السياسي للمسألة, لكن حينما شعرت واشنطن, أن هناك «تحرّشاً» بالرئاسات الثلاث, جاءت رسالة فوتيل (قائد القيادة الوسطى الاميركية) وهي بمثابة خط احمر لا يمكن التنازل عنه.
هنا والان.. يتّضح أن واشنطن استشعرت أن الامور تكاد تفلت من ايديها, بعد أن ظنت انها قادرة على ادارة عملية تفتيت العراق على نار هادئة, مستفيدة من الموقف التركي في شأن تحرير محافظة نينوى والجدل الدائر حول مشاركة أو عدم مشاركة الحشد الشعبي, وما يتردد عن استعداد كردي للانخراط في هذه المعركة ولكن وفق شروط, فضلاً عما يجري من محاولات اميركية لوقف اندفاعة الجيش السوري باتجاه الرقة (عبر دير الزور) والتحضيرات السورية الضخمة لقطع شريان الامداد الاخير على شرقي حلب (محور الكاستيلو) ثم التمدد اللافت لداعش باتجاه الحدود التركية والانجازات التي احرزها ضد فصائل معارضة محسوبة على المعسكر الاميركي, قيل أنه تم تزويدها مؤخراً بصواريخ مضادة للطائرات و»حفّارات» متقدمة, المانية الصنع, لاحباط الهجوم الذي يقوم به الجيش السوري على اكثر من جبهة, وهو ما تم رصده ميدانياً وخصوصاً مسألة حفر الانفاق.
في السطر الاخير.. خطوط اميركا الحمراء «العراقية», وهمية اكثر منها واقعية او ذات قدرة او امكانية للترجمة على ارض العراق, الذي حوّله المحتلّون الاميركيون, الى مرتع للفوضى والمحاصصة والفساد والطائفية والمذهبية, وها هم يُبدون حرصاً مزيفاً على العراق ورئاساته «الثلاث», لكنهم في الآن ذاته, غير معنيين الا بمصالحهم والانتصار لكل الذين يُعرقِلون محاولات اخراج العراق من ازماته العميقة, التي لا يتحَمّل احد المسؤولية عن استمرارها,غير الاميركيين ومَن جاءوا بهم على ظهور دباباتهم... لاحتلال العراق وتدميره.
(الرأي 2016-04-18)