الشعر سلاح آخر في الثورة العربية الكبرى
المدينة نيوز:- قال أستاذ الأدب العربي الدكتور محمد الدخيل الصقور ، ان الشعر العربي في مطلع القرن العشرين عكس مظالم الأمة العربية وما واجهته من عسف وإهمال وتمييز تحت حكم العثمانيين .
وقال ل (بترا) ان الشعر كان بمثابة القوة الناعمة التي مهدت لانطلاق الثورة العربية الكبرى برصدها للظلم القومي والاستبداد الشعوبي من جهه وإعلاء الطموحات العربية نحو الاستقلال والحريّة والانعتاق للحكم الأجنبي من جهه ثانية .
ووجد الصقور في دراسة تحليلية لشعر الثورة العربية الكبرى ، ان الشعراء اتجهوا قبل انطلاقة الثورة لرصد واقع الأمة العربية تحت الحكم التركي ، مبرزين سياسات التجهيل وانتشار الأمية وتعطيل المدارس وإقفال دور العلم وإقصاء اللغة العربية وآدابها والتراث العربي والإسلامي وكبت الحريات واضطهاد الرأي الآخر وحرمان العنصر العربي من الوظائف العليا والمناصب الحكومية والاضطهاد الاجتماعي والسياسي والظلم وانتشار الجريمة وعدم عدالة الضرائب واستغلال خيرات البلاد العربية وتفاقم مشكلة العوز والفقر والجوع.
ولما انطلقت الثورة يقول الصقور ، ان الشعر العربي اختص بالثورة وقيمها ومبادئها ورايتها وفكرتها السياسية وبرز الاعتزاز بالقومية العربية والفخر بالعرب وعودة الأمة العربية إلى مركزها الصحيح والإشادة بأمجادها وماضيها المجيد ، كما أشاد شعر ما بعد الثورة بالأمة الإسلامية وأمجادها الغابرة باعتبار أن منطلقات الثورة كانت عروبية وإسلامية.
ويتابع كان الشعراء يواكبون معارك الثورة العربية الكبرى ويحتفون بانتصاراتها ويمجدون قادتها وانبروا إلى الدعوة إلى الجهاد المقدس والكفاح المسلح ضد الأتراك وأطماع فرنسا في سوريا واعتبار ألمانيا (آنذاك) عدوا للعرب والمسلمين وهجاء الشخصيات السلبية كجمال باشا السفّاح.
وجغرافيا أظهرت دراسة الصقور أن الشعر العربي تناول دمشق الشام ، سوريا ،حلب ، لبنان، فلسطين، الأردن ، معان،العقبة،الطفيلة، وادي موسى، العراق، الحجاز، مكة المكرمة، المدينة المنورة، تبوك والطائف ما يظهر خريطة الاهتمام بالمشرق العربي.
وقد حظي الشريف الحسين بن علي بالشعر الوافر باعتباره المنقذ الأعظم ومفجر الثورة وصانع انتصاراتها المؤزرة وفتوحاتها المبينة.
وكتب الشاعر رشيد الهاشمي موضحا دور الشريف في حمل رسالة الأمة العربية من أجل التحرر والنهضة: صرخ الحسين بقومه // يا آل يعرب للنفير لنعيد مغصوب الحقوق // مجد مصقول الدكور يا آل قومي نهضة // للمجد والشرف الخطير ومجد الهاشمي هبة الشريف للأخذ بالثأر لأحرار الأمة العربية الذين علقوا على أعواد المشانق من قبل عصابة الاتحاد والترقي بالقول: هذا الحسين قد انتضى // سيفا يدك الراسية إنا سنأخذ ثأرنا // بظبا السيوف الماضية سنكيل ما كالت لنا // ولنسفعن بالناصية وتكبر في عينه أهداف الثورة العربية الكبرى ويثني على ما قام به من تضحيات من أجل إنقاذ العرب من براثن الاتحاديين ويشيد بنخوته العربية ومشاعره القومية وإخلاصه لقومه العرب فيكتب : لذا قام الشريف أبو المعالي // واستفز به الهيام وجُرد سيفه في وجه قوم // لهم في الْخِزْي أفعال عظام ونادى قومه للحرب هيا // على ما سنه الترك الطغام فلبى العرب دعوته وثاروا // لأخذ الثأر واشتد الخصام " وعندما تسمو الأهداف التي يسعى القائد من أجل تحقيقها يفرض طاعته على من يتولى قيادتهم وفي ذلك كتب الشاعر القروي قصيدته الهاشمية وفيها يقول: لما رأى الدين الحنيف مهددا // ورأى المهدد ممعنا في كفره ورأى العروبة تستعين بربها // من جور طوران الغريب وغدره لبى فجرد سيفه من غمده // بل قل فجرد عزمه من صبره ودعا الأسود من القفار فأقبلوا // يتسابقون إلى إطاعة أمره وينظم الشاعر رشيد أيوب موشحة بعنوان "شريف مكة "فيها الكثير من روح الأندلس الشعرية ونفحاتها الطللية يحيي فيها الشريف ويثمن تضحياته من أجل تحرير العرب من نير الطورانية المتغطرسة ويفتخر بقيادته وشجاعته: أنت من قوم لهم تعنوا الرقاب // من قديم الزمن يا شريفا أنت يا خير خلف // لكرام ذهبوا يا معيدا مجد من كان سلف // من له تنتسب خضتها حربا على الباغي تدور // بكماة أسد ويعد صاحب " لمن المضارب" الشيخ الشاعر فؤاد الخطيب شاعر الثورة العربية الكبرى بلا منازع وأحد رجالاتها وقد كتب ديوانا كاملا وجسد في قصيدة عنوانها: تحية النهضة، التي قالها في مكة المكرمة مرحباً بقيام الحكم العربي والدخول إلى النهضة العام 1916 حين أعلن الشريف حسين ثورته وفيها أنشد الخطيب: حي الشريف،وحي البيت والحرما// وانهض فمثلك يرعى العهد والذمما يا صاحب الهمة الشماء أنت لهــــا// إن كان غيرك يرضى الأين والسأما واسمع قصائد ثارت من مكانهـــــا// إن شئتها شهباً أو شئتها رجمــــــــا من شاعر عربي غير ذي عـــــوج/ /قد بارك الله منه النفس والكلمـــــــا هيهات أكتب بعد اليــــــــوم قافيــة // إلا إذا كان حد السيف لي قلمــــــــــا
وكتب الخطيب نشيد راية الدولة العربية الهاشمية (آنذاك) حيُّوا اللواء وقوفا أيها العرب هذا هو النسب الموروث والحسب في ظله نبغت أم القرى وزهت بغداد إثر دمشق بعدها حلب في كل لون به رمز لمملكة قامت لكم حفظت آثارها الحقب به استعزت رجال قبلكم وبه سيستعز على طول المدى العرب وتعد قصيدته لمن المضارب تجسيدا للثورة وما كان يعانيه العرب لِمَنِ المضاربُ في ظلالِ الوادي؟ رَيَّا الرحابِ تَغَصُّ بالوُرادِ؟ الله أكبرُ تلكَ أُمَّةُ يعربٍ نَفَرتْ من الأغوار والأَنجادِ طَوَتِ المراحلَ والأسنَّةُ شُرَّعٌ والبيضُ متلعةٌ من الأغمادِ ومَشَتْ تدكُّ البَغْيَ مشيةَ واثقٍ بالله ، والتاريخ ، والأَجدادِ لبيَّكِ يا أرض الجزيرة واسمعي ما شئتِ من شَدْوي ومن إنشادي لكِ في دمي حَقُّ الوفاء وإنه باقٍ على الحدثان والآبادِ أنا لا أفرِّقُ بين أهلكِ إنهم أهلي ، وأنتِ بلادهم وبلادي ولقد برئتُ إليكِ من وطنيَّةٍ ليست تُجاوِزُ موطنَ الميلادِ فَلِكُلِّ رَبعٍ من ربوعكِ حُرمةٌ وهوىً تغلغلَ في صميم فؤادي عربٌ تطوَّعَ كهلُهم وغلامُهم للموت غيرَ مُسَخَّرٍ بقيادِ وثَبَتْ بهم في نقع كل كريهةٍ هِمَمُ الغُزاةِ وعفَّةُ الزُّهَّادِ ومن اشترى استقلاله بدمائهِ لم يستَنِمْ لأذى ولا استعبادِ الملكُ فيكِ وفي بنيكِ وإنَّهُ حَقٌّ من الآباءِ للأَحْفادِ وأمانةُ التاريخ في أعماقهم من عهد بابِلَ يومَ نهضةِ عادِ ومنَ الأشاوسِ مِن بني قحطانَ أَوْ عدنانَ من متحضِّرٍ أوْ بادِ فإذا انْبَرَوْا للمجدِ فهو سبيلُهم يمشون فيه على هدى وسَدادِ حَكَموا عليَّ بأَنْ أموتَ وما دَرَوا أني بلغتُ من الخلود مُرادي ولسوف يُنشرُ يومَ نُذكرُ في غدٍ ما كان من جبروتهم وجهادي ظَلَموا وما عَلِموا بأَنَّ وراءهم شعباً وأنَّ الله بالمِرصادِ ونظم الشاعر خليل السكاكيني الذي التحق في آب 1918 بالأمير فيصل الذي كان وصل الحجاز إلى "أبي اللسن" على رأس الجيش الشمالي لتحرير سوريا.نشيده المشهور: "أيها المولى العظيم" في مدح فيصل: فخر كل العرب // أيها المولى العظيمُ ملك جدك النبي // ملك الملك الفخيمُ قبل فوت الزمنِ // نحو هذا الملك سيروا لنجاة الوطنِ // وعلى الخصم أغيروا وعكس الشاعر ابراهيم اليازجي الإرهاصات التي كان يعيشها العرب وما واجهوه من إهمال وتمييز تحت حكم العثمانيين في قصيدته تنبهوا واستفيقوا أيها العرب / / فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب فيم التعلل بالآمال تخدعكم // وأنتم بين راحات الفنا سلب الله أكبر ما هذا المنام فقد // شكاكم المهد واشتاقتكم الترب كم تظلمون ولستم تشتكون وكم // تستغضبون فلا يبدو لكم غضب ألفتم الهون حتى صار عندكم طبعاً // وبعض طباع المرء مكتسب وفارقتكم لطول الذل نخوتكم // فليس يؤلمكم خسف ولا عطب لله صبركم لو أن صبركم // في ملتقى الخيل حين الخيل تضطرب كم بين صبر غدا للذل مجتلباً // وبين صبر غدا للعز يحتلب فشمروا وانهضوا للأمر وابتدروا // من دهركم فرصة ضنت بها الحقب لا تبتغوا بالمنى فوزاً لأنفسكم // لا يصدق الفوز ما لم يصدق الطلب خلوا التعصب عنكم واستووا عصباً // على الوثام ودفع الظلم تعتصب لأنتم الفئة الكثرى وكم فئة // قليلة تم إذ ضمت لها الغلب هذا الذي قد رمى بالضعف قوتكم // وغادر الشمل منكم وهو منشعب وسلط الجور في أقطاركم فغدت // وارضها دون أقطار الملا خرب وحكم العلج فيكم مع مهانته // يقتادكم لهواه حيث ينقلب من كل وغد زنيم ما له نسب // يدرى وليس له دين ولا أدب سلاحهم في وجوه الخصم مكرهم // وخير جندكم التدليس والكذب لا يستقيم لهم عهد إذا عقدوا // ولا يصح لهم وعد إذا ضربوا أعناقكم لهم رق وما لكم // بين الدمى والطلا والنرد منتهب باتت سمان نعاج بين أذرعكم // وبات غيركم للدر يحتلب فصاحب الأرض منكم ضمن ضيعته // مستخدم وربيب الدار مغترب وما دماؤكم أغلى إذا سفكت // من ماء وجه لهم في الفحش ينسكب وليس أعراضكم أغلى إذا انتهكت //من عرض مملوكهم بالفلس يجتلب بالله يا قومنا هبوا لشأنكم //فكم تناديكم الأشعار والخطب ألستم من سطوا في الأرض وافتتحوا// شرقاً وغرباً وعزوا أينما ذهبوا ومن أذلوا الملوك الصيد فارتعدت // وزلزل الأرض مما تحتها الرهب ومن بنوا لصروح العز أعمدة //تهوى الصواعق عنها وهي تنقلب فما لكم ويحكم أصبحتم هملاً //ووجه عزكم بالهون منتقب لا دولة لكم يشتد أزركم //بها ولا ناصر للخطب ينتدب وليس من حرمة أو رحمة لكم // تحنوا عليكم إذا عضتكم النوب أقدراكم في عيون الترك نازلة // وحقكم بين أيدي الترك مغتصب فليس يدرى لكم شأن ولا شرف //ولا وجود ولا اسم ولا لقب فيا لقومي وما قومي سوى عرب //ولن يضيع فيهم ذلك النسب هب أنه ليس فيكم أهل منزلة // يقلد الأمر أو تعطى له الرتب وليس فيكم أخو حزم ومخبرة// للعقد والحل في الأحكام ينتخب وليس فيكم أخو علم يحكم في// فصل القضاء ومنكم جاءت الكتب أليس فيكم دم يهتاجه أنف// يوماً فيدفع هذا العار إذ يثب فأسمعوني صليل البيض بارقة // في النقع إني إلى رناتها طرب وأسمعوني صدى البارود منطلقاً// يدوي به كل قاع حين يصطخب لم يبق عندكم شيء يضن به //غير النفوس عليها الذل ينسحب فبادروا الموت واستغنوا براحته //عن عيش من مات موتاً ملؤه تعب صبراً هيا أمة الترك التي ظلمت// دهراً فعما قليل ترفع الحجب لنطلبن بحد السيف مأربنا //فلن يخيب لنا في جنبه أرب ونتركن علوج الترك تندب ما// قد قدمته أياديها وتنتحب ومن يعش يرى الأيام مقبلة //يلوح للمرء في أحداثها العجب
(بترا)