"الإخوان المسلمون 1" وإعادة تنظيم اللعبة
"ألا تكون متوقعا يشبه إعلان الحرب".
يقول بادي الرفايعة، الناطق باسم الإخوان المسلمين "سابقا"، أو "الإخوان المسلمين 1"، إن الإخوان المسلمين فوجئوا بإجراءات إغلاق مقراتهم. وأتخيل أن محافظ العاصمة خالد أبو زيد، يقول في نفسه عندما سمع التصريح: "معقول أنكم فوجئتم؟... ماذا تريدون أن نفعل حتى لا تفاجأوا؟". والحال أن "الإخوان المسلمين 1" يتركون أنفسهم يتفاجأون أو ينخدعون، لكن يرجح أنهم يدركون مسار المباراة ونتائجها، ويسيرون إلى هذه النتائج وهم يملكون الوعي الكافي، وإن لم يعترفوا بذلك حتى لأنفسهم، ولكنهم يفضلون أن تبدو الأمور تسير رغما عنهم، وأنهم تعرضوا لظلم وفضلوا حرصا على المصلحة العامة والاستقرار أن يقبضوا على الجرح ويتنازلوا، كما تنازلت أم الطفل مخافة أن يقسمه القاضي بين الخصمين؛ (في لقاء مع الأمير الحسن، العام 1996، قالت شخصية إخوانية "سابقة" إن الإخوان المسلمين ينحازون دائما إلى خيار أم الطفل؛ فردّ عليه الأمير: "ومن تكون أم الطفل في حالة الاختلاف بين الإخوان والدولة؟").
اللعبة السياسية، ببساطة ووضوح، تتجه إلى اندماج الإخوان المسلمين في حزب جبهة العمل الإسلامي. كان مفترضا أن يحدث ذلك منذ العام 1992، وحدثت مناسبات كثيرة تؤشر إلى هذه الضرورة. ثم كان ينحاز الطرفان (السلطة السياسية والجماعة) إلى لعبة "الحافة" أو لعبة "ثغرات في الجدار". لكن دروس "الربيع العربي"، ثم ما وقع في مصر في صيف العام 2013، والتشكلات الإقليمية والسياسية التي حدثت، كانت تدفع باتجاه إعادة تشكيل الإخوان المسلمين في أوعية سياسية وتنظيمية جديدة. وظلّ الإخوان المسلمون يراهنون على تحولات أخرى يمكن أن تحدث أو أن يُدْفَعُوا على نحو يبدون فيه مرغمين.
والواقع أن لعبة "الاستكراه"، برغم رمزيتها ولا معقوليتها، تبدو ضرورية ومتبعة لدى السلطات والجماعات والأفراد والشركات والمصالح والأعمال، ولا تخص "الإخوان" وحدهم. ففي حالة "الإخوان"، يبدو ضروريا المحافظة على الرموز والمواقف والطقوس المستمدة من الشعور الدائم بالتميز والانفصال عن الدولة والمجتمع، برغم أنها "بطولات نظرية وسلوك براغماتي"؛ فهي لعبة متواطأ عليها بين القيادة والقواعد. لنتخيل، مثلا، لو فُتحت بوابة الجامعة الأردنية للطلبة الذين يهتفون بحرارة "بدنا نحرر فلسطين"، أو لو فتح الجسر على نهر الأردن لجموع "مسيرة العودة"... هي مسرحية جميلة تقوم على أنها مسرحية وليست واقعية. ويمكن أن نتخيل لو أن مجريات مسرحية تتحول إلى واقع؛ إعدام البطل مثلا، أو المعارك التي تحدث في المسرح! إذ يتواطأ الجمهور والممثلون حتى في حال الانفعال الشديد والبكاء والتعاطف مع المشهد، على أن ما يجري لا يجوز أن يتحول إلى واقع!
السلطة السياسية أيضا سوف تتفاجأ لو خرج الإخوان المسلمون عن المسار المتوقع للعبة؛ لو أنهم بادروا إلى إعادة تشكيل أنفسهم في حزب سياسي أو جمعية تطوعية... أو حلوا أنفسهم وانسحبوا من العمل المباشر وتركوا للأعضاء والأنصار أن يندمجوا في التشكيلات السياسية والاجتماعية القائمة؛ سوف يحدث ما يشبه لو أن أحد الناديين المشهورين في الأردن قرر فجأة الانسحاب من مباراة، أو حتى حلّ نفسه، أو عمد إلى التحول لعمل رياضي اجتماعي ثقافي بقواعد واتجاهات مختلفة!
فالعمل اللامتوقع مهما كان يبدو سلبيا أو انسحابا أو قبولا، يكاد يشبه إعلان الحرب!
(الغد 2016-04-20)