تفكيك لـِ «نَصٍ».. مُفَكَّك!
في تفاصيل مشهد الانحطاط العربي الراهن ,الذي يكاد يشمل معظم الأطر والمستويات العربية، يبدو الخيال «السياسي» العربي، أحد اسوأ الأمثلة على مثل هذا الدرك الاسفل, الذي وصلته النُخب السياسية العربية، التي لفرط هشاشتها وضعف بنيتها وقيامها على أسس تعتمد عقلية الثأر وتصفية الحسابات والحقد، انزلقت الى ما يمكن تسميته «قاع الأزمات» وراحت تُقيم وتُقيِّم علاقاتها الثنائية وخصوصاً مع الخارج غير العربي, وفق «المسطرة» العقيمة التي حدثنا عنها التاريخ العربي – بعيده والقريب – عندما اعتبرت «الاجنبي» اياً كان لون عيونه, أقل عداء وجشعاً وطمعاً من «الأخ» العربي, وراحت تُقدِّم مَنْ يرطن بالضاد، استشراقاً او خبثاً او تحايلاً, على مَنْ ظَنّ ذات يوم أنه مِن «أفخاذ» هذه الأمة وبطونها.
ما علينا..
ليس ثمة حاجة للمضي قُدماً في لغة التعمية والغموض والرسائل المُشفّرة، فليس في بلاد العرب ما يسر البال او يُبْعِد مخاطر او يحول دون اندلاع الحرائق، ولينظر العربي حيثما شاء, يميناً و يساراً، شمالاً وجنوباً, ليرى العجائب وكل ما هو مُحمّل بالمصائب، فليس ثمة سوى «الكلام» الذي يسيطر على كل شيء.. لا شيء غير الكلام نسمع جعجعة طوال أربع وعشرين ساعة في اليوم, وسبعة ايام في الاسبوع واثنين وخمسين اسبوعاً في العام، وتنقضي المزيد من سنوات العمر، فيما التراجع سيد الموقف والشعارات تغزو الساحات, والبطولات المزيفة تصدح في الميادين، والناس يبدون وكأن على رؤوسهم الطير، فلا هم يعرفون الى اين يمضون، ولم يكونوا يعرفون اصلاً, لماذا هم «هنا» في هذا الزمن والموقع والمكان, وخصوصاً «المكانة» المتردية التي تعيشها أمتهم والتشظي الذي باتت عليه، والتذرّر الذي ينتظرها، فيما لا يُبدي قادة هذه الأمة ونُخَبِها, اي استعداد بل اي رغبة, لتجاوز مرحلة الانهيارات والانكسارات والهزائم التي نعيشها, ويمضون قُدماً في افتعال المزيد من المعارك والخصومات والعداوات, والاسوأ انها ضد بعضهم البعض, وليس ضد عدو او محتل او غاصب او طامع او متآمر.. اللهم الا اذا غابت عنا حقيقة أن «عرب اليوم» قد اعادوا تعريف مصطلح العدو, وبات لديهم قاموسهم الخاص في هذا الشأن ,فاذا بالمحتل حليف او شريك, واذا بالاخ عدو واذا بمن يختلف معنا في «القراءة» اكثر عدوانية, من عدو معروف منذ قرن من الزمان اسمه الحركة الصهيونية العالمية ويتجسد على ارض فلسطين في دولة شعارها (باقية وتتمدد) قبل ان نعرف شعار داعش أو نسمع بأبي بكر البغدادي أو ابو محمد الجولاني أو غيره من «الابوّات» الجدد, مثل محمد علوش ورياض حجاب وجورج صبرا وعبدالباسط سيدا وغيرهم من ثوار الفنادق.
الى اين من هنا؟
الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل ابو ردينة «اطلق» قبل ايام تصريحاً نارياً, بدا ثورياً وكأنه «يستعيد» البيان الاول الذي اصدرته قوات العاصفة في الفاتح من الشهر الاول من العام 1965, قائلا فيه «أن الايام القريبة المقبلة, ستشهد اتخاذ مواقف وقرارات سياسية واضحة ستخرج عن المألوف» ما اثار الكثير من الفضول – ولكن مع تشكيك متصاعد – عن سر التوقيت الذي اختاره الرجل لاصدار بيان «عنيف» كهذا, ثم ما لبثت الأمور أن هدأت «فجأة» رغم أن الرجل زعم كالعادة «اننا امام مفترق مهم وخطير».. ليخبرنا لاحقاً: ان الرئيس عباس «يتحرك لوضع الجميع أمام مسؤولياتهم, لأن الحكومة الاسرائيلية تجر المنطقة بأسرها الى مزيد من العنف والدمار».
ليس ثمة في النص «اعلاه» أي شيء مترابط, فهو مجرد كلام, سمعه الفلسطينيون منذ خمسة عقود أو ثمانية, وسيسمعونه ما دامت قيادات كهذه تتقدم الصفوف.
ثم..
اذا كان المقصود طرح النشاط «الاستيطاني» اليهودي, على مجلس الامن,هو ما سيكون خارجاً «على المألوف» فكيف يمكن التعاطي مع خبر صحيفة هآرتس يوم امس الاربعاء, عندما قالت حرفياً: يميل الفلسطينيون الى « تجميد « خطتهم للتوَجّه الى مجلس الامن لاستصدار قرار ضد الاستيطان في الضفة الغربية, ثم تواصل الصحيفة: فرنسا ودول اخرى, تُمارس ضغوطاً لتجميد هذه الخطة, بهدف اتاحة «الفرصة» أمام «المبادرة الفرنسية» الداعية الى عقد مؤتمر سلام دولي في الصيف المقبل»؟
أهلاً بكم في ليالي «الحلمية».. اذاً!!
(المصدر: الرأي 2016-04-21)