عدوى المذكرات!
ثمّة ظاهرة إيجابية مهمة بدأت تنمو خلال الفترة الأخيرة، تتمثّل في اعتكاف عدد مهم من الشخصيات السياسية الأردنية العريقة على كتابة مذكّراتهم ونشرها، ما يفترض أن يملأ فراغاً كبيراً في التاريخ الأردني الذي يعاني نقصا شديدا في الوثائق والمعلومات المطلوبة.
المذكرات التي يكتبها السياسيون، حتى وإن كانت تحمل تحليلا أو منظوراً ذاتياً للأحداث، من زاوية نظر السياسي نفسه، إلاّ أنّها مهمة جداً، وتختلف في منهجها وأهميتها عن كتب التاريخ العادية، لأنّها تدخلنا في الكواليس والبيت الداخلي، لنعرف: لماذا حدث؛ وكيف حدث ذلك؟
من الشخصيات التي تعكف اليوم على إعداد مذكراتها ونشرها، رئيس الوزراء الأسبق مضر بدران، الذي نشر معه الزميل محمد خير الرواشدة 30 حلقة من "سياسي يتذكر"، وهو في صدد إتمام الحوار إلى كتاب كامل. وكذلك الأمر لدى رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات. وقيل إنّ الرئيس عبدالرؤوف الروابدة عاكف منذ خروجه من مجلس الأعيان على كتابة مذكراته. وأيضاً الرئيس طاهر المصري (الذي نشر معه الزميل الرواشده أيضاً سلسلة حلقات ضمن "سياسي يتذكر" في "الغد") بصدد استكمال مذكراته. وهناك حياة الأمير زيد بن شاكر، التي تعكف عليها زوجته منذ أعوام. كما هناك أوراق يعدّها سعيد التل، شقيق الرئيس وصفي التل، عن المراحل السابقة، تتناول شطراً من حياة وصفي ومواقفه.
يضاف إلى هؤلاء جميعاً عدنان أبو عودة، الذي يعكف منذ أعوام على كتابة مذكراته، ولديه يوميات موثقة في الأحداث، بالإضافة إلى ما يمتلكه من غور ثقافي وفكري عميق. وقبلهم كان الباشا نذير رشيد قد أصدر مذكراته، كما فعل عدد من الضباط الأحرار، مثل علي أبو نوار وضافي الجمعاني. وهناك "وثيقة" تحمل مذكرات شاهر أبو شاحوت، وأخرى غير منشورة لمحمد المعايطة. يضاف إلى ذلك كلّه مذكرات الرئيس هزاع المجالي، بالرغم من استشهاده المبكّر العام 1960. ولا ننسى كذلك مذكرات الملك عبدالله الأول، والملك الحسين، والملك عبدالله الثاني.
لكن من الشخصيات الذين لم تر مذكراتهم النور رئيس الوزراء المخضرم توفيق أبو الهدى، الذي كتب مذكراته وأودعها مع ابنته، لكنّ اجتهاد بهجت التلهوني، وكان رئيساً للديوان الملكي، ذهب في ذلك الوقت (بعد وفاة الأول 1956)، إلى ضرورة التخلص منها، وفعلاً قام بحرقها في الساحة الخلفية للديوان الملكي. لكن هناك قناعة لدى بعض العارفين بأنّ نسخة ما تزال موجودة لمذكراته، قامت ابنته بنسخها وإعطائها لصديقة لها قبل وفاتها هي الأخرى.
ومن الشخصيات الذين لم تر مذكراتهم النور، كذلك، رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي (الأول).
من الملاحظ أنّ الذين يعكفون على مذكراتهم اليوم هم ممن عملوا لفترات جيدة مع الملك الراحل الحسين بن طلال، وكانوا مقربين منه، بل كانوا من صنّاع القرار السياسي في محطات حساسة أو حاسمة في تاريخ البلاد، ما يوفّر كمّاً مهماً ونوعياً من الروايات التي تساعدنا كثيراً في بناء الذاكرة السياسية الأردنية وفهم ما جرى، ووراء ذلك كله، في ظني، ما يساعد أكثر على فهم "عبقرية الحسين"، الذي لم يُدرس بصورة عميقة ودقيقة.
بقي أن نقول إنّ المؤرخ الأردني المعروف، د. محمد عدنان البخيت، قام بمشروع كبير في تأريخ الوثائق الأردنية والهاشمية، وحماية جزء منها، لكنّ هذا العمل أيضاً غير منشور إلى الآن!
(الغد 2016-04-22)