وهكذا أخطأ وفد مؤتمر الرياض!
سيكتشف وفد المعارضة السورية (مؤتمر الرياض) أنه اقترف خطأ جسيماً بقراره تعليق المفاوضات إلى حين انصياع النظام لقائمة شروطه ... أول تداعيات هذا القرار غير المدروس، تمثلت في «ضعضعة» وحدة الوفد والهيئة التفاوضية ومكونات المؤتمر، غير المتجانسة أصلاً ... وقد يشكل هذا القرار، بداية تفسخ الوحدة الهشّة التي أسس لها مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، وثمة معطيات أولية، لم تتضح كافة أبعادها بعد، تشير إلى تنامي احتمالٍ من هذا النوع. ثاني، هذه التداعيات، ويتمثل في عودة موسكو، اللاعب الرئيس في الأزمة السورية (وبتفويض أمريكي)، للحديث عن مكونين رئيسين في وفد المعارضة وهيئتها: جيش الإسلام وأحرار الشام، بوصفهما جماعتين إرهابيتين، قبلت بمشاركتهما في مؤتمر جنيف على مضض، من باب تسهيل طريق المفاوضات من جهة، وكاختبار لقدرتهما على الانتقال من الحلف مع جبهة النصرة إلى التحالف مع المعارضات الأخرى، التي عادة ما توصف بـ «المعتدلة». ثالث هذه التداعيات، وتتجلى في انتعاش آمال بقية «منصات» المعارضة للانخراط رسمياً في وفد موحد للمعارضة، يضم جميع «منصاتها»، بعد أن اقتصر تمثيل المعارضة على مؤتمر الرياض، لتتحول بقية «المنصات» إلى ما يشبه «الهيئات الاستشارية» أو «الكومبارس» على موائد مؤتمر جنيف، اليوم هناك حديث قوي عن تجميع وفد مشترك من مؤتمر القاهرة وموسكو وحتى الأستانة، مع من قد ينشق أو يخرج عن مؤتمر الرياض .... أقله، هكذا تفكر موسكو وحلفاؤها، فيما واشنطن، لديها تحالفات غير مخفية، مع قوات سوريا الديمقراطية ووحدات الحماية الكردية، التي يبدو أنها تتقارب مع قوات «النخبة» التي تتبع سياسياً لتيار «سوريا الغد» بقيادة أحمد الجربا، وبدعم إقليمي مصري – إماراتي ظاهر، ومتميز عن الموقفين التركي والسعودي، رغم المظلة الواحدة التي تجمع كافة هذه الأطراف الإقليمية. والحقيقة أن وفد المعارضة وهيئته التفاوضية، يعيش حالة من «الابتزاز المتبادل»، بين مكوناته ذاتها ... بعضهم لا يريد أن يظهر أمام «النصرة» والفصائل الإسلامية المتشددة الأخرى، التي لم تنخرط في عملية التفاوض، بوصفه أقل «ثورية» او قل «جهادية» منها ... بعضهم لآخر، يريد أن يبعث برسائل لداعميه ومشغيله في الإقليم، مفاده أنه «ملكي أكثر من الملك»، وأنه وحده من بقدوره تنفيذ الأجندات الإقليمية لهذه الدول، وبمواقف لا تلين لها قناة، وفقاً لكلام صدر عن لافروف. مشكلة وفد المعارضة، أنه ترك أمر قيادته للفصائل الأكثر تشدداً، والتي يجد المراقب صعوبة في إخراجها من القوائم السوداء للمنظمات الإرهابية والإجرامية، مثل جيش الإسلام وأحرار الشام ... لقد فعلوا ذلك على أمل «ردم الفجوة» بين حفنة المعارضة السياسيين في الخارج، الذي لا دور لهم ولا وزن على الأرض من جهة، والقوى المقاتلة، التي تحظى بتأثير ميداني ملموس، وتتلقى دعماً سخياً من بعض الحواضن الإقليمية والعربية من جهة ثانية ... نتيجة هذه المعادلة، أخلت بتوازنات القوى داخل وفد مؤتمر الرياض، وأعطت الراية الكبرى لكبير المفاوضين: محمد علوش. يخطئ المعارضون إن هم ظنوا أن مصير مسار جنيف، يتوقف على مشاركتهم أو انسحابهم ... ويخطئون أكثر، إن اعتقدوا أن المجتمع الدولي، سيقبل بإبقاء ملف الأزمة السورية بكل فصوله، مفتوحاً بانتظار عودتهم عن «حردهم التفاوضي» ... ثمة إرادة دولية، غير مسبوقة، تستعجل إغلاق هذا الملف، وإلا سيظل فصلا الإرهاب واللاجئين مفتوحين على مصراعيهما، مع كل ما يستبطنانه من تهديدات تطال العالم بأسره وليس الإقليم وحده. الجواب على «تكتيك الحرد» الذي اعتمده مفاوضو وفد الرياض، جاء من ديمستورا شخصياً، وليس من بشار الجعفري أو سيرغي لافروف وحدهما، حين وصف قرار المعارضة تعليق المفاوضات بـ «الاستعراض الدبلوماسي»، وشدد على أن المفاوضات ستتواصل، وأتبع قوله هذا بتمديد المفاوضات لأيام عديدة لاحقة لمغادرة الوفد ... والأرجح أنه لم يفعل ذلك، إلا بعد ضوء أخضر مشترك، صدر في توقيت متزامن، عن موسكو وواشنطن. التذرع بانتهاكات خرق التهدئة، أو الملف الإنساني، ليس مقنعاً لإدارة الظهر للمفاوضات ... التهدئة لم يخترقها النظام وحلفاؤه وحدهم، هناك من الفصائل المفاوضة في جنيف، من اخترق الهدنة وانتهكها على غير جبهة، وهذه الفصائل ما زالت تقاتل إلى جانب النصرة ومن الخندق نفسه ... أما حكاية «الملف الإنساني» فيمكن أن تكون مفهومة تماماً عندما تصدر عن أشخاص من طراز ميشيل كيلو وحسن عبد العظيم، أما حين تصدر عن محمد علوش، فتلك «نكتة سمجة» لا تُضحك أحداً، فالرجل يقود فصيل اشتهر بجرائمه ضد الإنسانية في مناطق سيطرته ونفوذه، جوّع أهلها وابتزهم في لقمة عيشيهم، ولاحق معارضيه من المعارضة المدنية وقتلهم واختطفهم، ووضع «أسراه» في أقفاص كالحيوانات، لاستخدامهم كدروع بشرية في مواجهة الطيران الروسي – السوري. وجود أشخاص كهؤلاء في صفوف المعارضة ووفدها المفاوض، يعطي وفد النظام «الذخيرة» التي يحتاجها لـ «شيطنة» المعارضة، واتهامها بكل صنوف الإرهاب، وليس مهماً بعد ذلك، أن يأتي هذا «العلوش» إلى جنيف ببدلة أنيقة وربطة عنق، أو أن يعود منها إلى بزّته العسكري المدجج بالسلاح والجعب والأسلحة البيضاء (السوداء)، طالما أن الرجل في الحالتين، هو ذاته: القاتل المحترف والمأجور، الذي نعرف.
(الدستور 2016-04-24)