فقه المُناظرات !!
المناظرة بمعناها الدقيق ليست مبارزة دونكيشوتية بسيف من خشب او كلام، وليست صراع ديكة او مصارعة حُرّة، انها مواجهة ومكاشفة غالبا ما تكون بين انداد ، وهي ليست حكرا على قادة احزاب او مرشحين للرئاسة، فهي اختبار ميداني لكل الادعاءات والمزاعم لهذا غالبا ما يتهرب منها هؤلاء الذين يعيشون حياتهم على طريقة المونولوج ولا يسمعون غير صدى اصواتهم، ويرقصون مع انفسهم او ظلالهم امام المرايا . المناظرة قد تكون بين مثقفين او ناشطين سياسيين ، لكي لا تكون للعبة شبكة، ولا يسجل اللاعب مع نفسه الاهداف في مرماه، ناسيا انه مهزوم بقدر ما يتصور انه مُنتصر ! وهي ثقافة غير موروثة، لأنها تتشكل بالمران وتحتاج الى تأهيل منذ الطفولة، ولو كان لدينا مثل هذه الثقافة لما انتهى بنا الأمر الى ما نحن عليه، حيث ما من احد يسمع احدا وكأن كل الحوارات تدور في سوق النُحاس الذي يحجب رنين مطارقه حتى الصهيل ! والمناظرة ليست تلاسنا او تراشقا كما يتصور البعض وان الرابح منها هو اللبق وذرب اللسان، فالمعلومة هي قوامها وكذلك الحجة والدفاع عن وجهة النظر، لهذا فان المستفيدين من غيابها هم الأدرى بأنفسهم وبأنهم اشبه بمن يغني في حمام مغلق، فلا يطرب غير نفسه، هذا اذا استطاع ذلك ! ان الاكثر اقبالا على المناظرات هو الاكثر ثقة بذاته وبمرجعياته ومكوناته المعرفية، اضافة الى انسجامه مع نفسه بحيث لا يتيح لأي متربص ان يضبطه متلبسا بتناقض او خطأ جسيم، والمناظرة هي الشرارة التي تندلع من احتكاك حجرين، ولا يمكن لحجر واحد ان يطلقها . وبقدر ما ان هناك متحمسين لها هناك بالمقابل من يصيبهم الهلع من مجرد تخيلها، لأنها تفتضح الامبراطور العاري كما في قصة اندرسون الشهيرة، وهي ايضا الماء الذي يكذّب الغطاس ! فلماذا لا تبادر مؤسسات اعلامية وثقافية وصحف الى تجريب هذه الفقه لعلّه يؤسس لتقاليد تحررنا من الأوهام فلا يعود القرد غزالا حتى في نظر امه !!
(الدستور 2016-04-25)