الشيخ والسلطان.. أو القرضاوي وأردوغان !
في مهرجان خطابي «إخواني», عُقِد قبل ثلاثة أيام في اسطنبول تحت عنوان «شكراً تركيا», اتسم بالنفاق والتزلف والطرح السياسي الساذج المحمول على «مسحة» دينية مذهبية, تكاد تكون مسجلة كعلامة «تجارية» لجماعات الاسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الاخوان المسلمين بفروعها المتعددة ومدارسها المختلفة التي تلتقي عند شعار «مع الواقف» مهما كانت النتائج، تساءل الشيخ يوسف القرضاوي الذي يوصف في أدبيات الاسلام السياسي «الإخواني» بأنه رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، هذا الاتحاد الذي لا يعرف احد على وجه الدقة, مَن هم الذين يُشكلون هيئته العامة ولا عن ادارته وتمويله وكيف لشيخ طاعن في السن ان يبقى على رأسه طوال هذه المدة، دون ان تجري انتخابات او يصار الى إدخال تعديلات على نظامه الداخلي, ودائماً في «لجم» الاندفاعة السياسية الهوجاء التي يواصل القرضاوي شنّها على دول وانظمة عربية معينة، دون ان يأتي بذكر ولو في كلمة واحدة «عابرة», على ما تفعله تلك الأنظمة والدوائر والجهات التي تحتضنه,وخصوصاً تلك التي لا تتدخل في شؤون بلدان عربية واخرى اسلامية فقط، بل تأخذ على عاتقها مهمة اسقاط انظمتها وتسليح المتمردين فيها واستخدام اساليب ومقاربات شريرة, لنشر الفوضى فيها.
يتساءل القرضاوي في حبور وثقة, عمّن يستطيع ان يُقاوِم «السلطان» رجب طيب اردوغان, الذي «أصبح» يدافع عن الأمة (..) باسم الاسلام والقرآن و»السُنّة» والشريعة وهو (اي السلطان التركي) الذي يتحدث بالوقوف أمام الوجوه الطاغية ليقول لهم .. لا»..
هذا بعض مما قاله فضيلة الشيخ، الذي يرتجل الكلام ولا يُدقِّق في المعاني كثيراً, او يتوقف عند التناقضات التي «تعجّ» بها خطبه وتصريحاته التي تبدو على الدوام منفعلة «ويقينية» ,يأخذها تلامذته ومريدوه والمعجبون به، كما هي، يُروجون لها ويحتفون بها، ولا يعنيهم اذا ما كان «شيخهم» قد خرج على الثوابت الدينية او الشرعية او الاخلاقية، وأنه أمعن في المديح والإطناب، دون أن يمنح نفسه فرصة للتراجع او المراجعة، على النحو الذي كان فعله من قادة ودول وزعامات, هي الآن موضع هجومه اللاذع وانتقاداته التي تخرج دائماً على مألوف الموقع والمنصب والمكانة والدور، الذي طالما احتكره القرضاوي لنفسه, وأباح لها ان تتدخل وتفتي وتشرعن قضايا خلافية تحتاج - ضمن أمور اخرى - الى مزيد من الحكمة والبصيرة والتبصّر والتعقل، لأنها في مجملها لا تقود سوى الى الفتنة والاختلاف والتباين, وبخاصة اذا ما كانت محمولة على تفسيرات واتجاهات مذهبية او طائفية او عِرقية.
ما علينا..
في خطابه الانفعالي الذي تفوح منه رائحة التعصب الاسلاموي، لم يأتِ الشيخ القرضاوي كما تلميذه خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس والذي شارك في مهرجان «شكراً تركيا», على ذكر العرب والعروبة بأي كلمة، وكان الطابع الاخواني هو الذي وسم مقاربة من تحدثوا في هذا المهرجان «الكلامي» الذي يُغدق الكثير على تركيا، ويخلع عليها صفات كثيرة ,ويجعل من حاكمها الذي لم يُخفِ ذات يوم «حُلمه» استعادة أمجاد اجداده السلاجقة والعثمانيين وخصوصا في بلاد العرب, قال القرضاوي: «نجتمع اليوم أنا و(إخواني) لنشكر تركيا، ومن قدّم للناس خدمة او نعمة, يجب ان يُشكر عليها، ونحن جئنا لنقدم الشكر لهذا البلد (العظيم) الذي قدّم للاسلام طيلة تاريخه، خدمات مختلفة، ليس فقط في فترة (الخلافة الاسلامية) بل... ما قبلها».
كلام عمومي لا سند تاريخياً له ولا شواهد, سوى ان الذين انطلقوا لاحتلال بلاد العرب, انما وضعوا «العمامة» على رؤوسهم وسيرّوا جحافلها تحت رطانة عثمانية اسلاموية, لفرض الاستعباد على أمة العرب (وغيرها من الأمم والشعوب) دامت اربعة قرون, ساد خلالها الجهل والأمية والظلم والعسف والاستعباد.
فعن اي «خدمات» تركية, يتحدث القرضاوي؟ وهو الذي (وإخوانه) يتجاهل ان تركيا هي اول دولة «اسلامية» اعترفت باسرائيل بعد عام واحد من قيامها على «الوقف الاسلامي» المُسمى «فلسطين», وانخرطت معها في حلف شيطاني لضرب فكرة العروبة واحباط مسعى الانبعاث القومي العربي؟
ثم اي تركيا التي يتحدث عنها القرضاوي وهي التي تحتل المرتبة 151 من اصل 180 دولة في الحريات الصحافية وتطارد الصحافيين وتسجنهم وتنكل بهم وتستولي على صحفهم وقنواتهم التلفازية, ولا تقيم وزناً للديمقراطية او دولة القانون واستقلال القضاء والفصل بين السلطات وحرية الصحافة والاجتماع, كما تنص على ذلك معايير كوبنهاغن التي تشكل شرطاً للدخول الى نادي الاتحاد الاوروبي, فضلاً عن القمع الذي يُمارس ضد العلويين وكورد تركيا؟.
أم ان القرضاوي يتجاهل عن عمد حقيقة ان تركيا الاسلامية التي يمجدها، هي عضو في حلف شمال الاطلسي, والمنخرطة في مناورات سنوية واسعة برية وبحرية وجوية مع اسرائيل، رغم الضجيج الاعلامي حول تداعيات سفينة مافي مرمرة؟
فليُسعِد النطق إن لم تُسعِد الحال.... سماحة الشيخ، على ما نصحنا واوصانا جدّنا الطيب..أبو الطيب المتنبي.
(الرأي 2016-04-25)