السياسة والأخلاق.. مثقفون يسقطون
قبل أيام، كتب سعود المولى؛ المثقف والأكاديمي والباحث اللبناني الشيعي المعروف تعليقا على صفحته في فيسبوك يقول: “أسوأ أنواع المثقفين والصحفيين والسياسيين هم اللبنانيون والفلسطينيون والأردنيون الذين يعرفون طبيعة نظام الوحش المجرم (نظام بشار)، ويعرفون ماذا يجري في سجونه، وكم مات تحت التعذيب، وكم بقي في حالة الموت البطيء وكم وكم وكم؟ لكنهم يدعمون نظام الإجرام الذي لا مثيل له في التاريخ المعاصر، وذلك تحت يافطة البوصلة والممانعة سيلعنكم التاريخ”. ومع أنني أرفض قصر الأمر في جنسيات بعينها، لأن هناك من يفعلون ذلك من شتى الجنسيات، إلا أن القصة تستحق التوقف فعلا، إذ ما مكان الأخلاق في أجندة هذه الفئة من الناس؟ وكيف يحدث أن ينحازوا إلى القتلة والفاسدين على هذا النحو المفضوح؟ وهل السياسة عندهم شيء، والأخلاق شيء آخر؟ لا يقولن أحد إنهم يؤيدون بشار الأسد، لأن بديله هو تنظيم داعش، فقد فعلوا ذلك والشعب يبذل الدم في الشوارع لستة شهور دون أن تطلق رصاصة واحدة، بل حين كان النظام يتوسل تلك الرصاصة من أجل إدانة الثورة بالإرهاب، كما هي العبارة التي كلفت فاروق الشرع إقامة جبرية في بيته، بل إن أولئك المثقفين يعرفون تماما أن قرار عسكرة الثورة هو قرار النظام، وهو من أطلق السلفيين الجهاديين من سجونه لأجل ذلك، اعتقادا منه بأن ذلك سيسهل عليه وأدها بعد وصمها بتهمة الإرهاب. ليس هذا هو النموذج الوحيد في غياب الأخلاق في منظومة المثقفين، إذ بوسعك أن تعثر على نماذج لا تحصى من انحياز كثير منهم للقمع والفساد، من دون أن يعدموا التبريرات، ذلك أن مهمة العقل هي التبرير، وهو قادر على ذلك، من دون أن يعني ذلك قدرته على الإقناع، إذ أن الضمائر الحية ليست برسم الاحتلال من قبل تلك التبريرات الواهية لمواقف لا صلة لها بالقيم ولا بالأخلاق. يحدث أيضا أن تغيب الأخلاق حتى عن ممارسات بعض الإسلاميين السياسية، ويحدث أن تجد منهم من يتحالف مع الظلم والفساد ضد أناس من نفس لونه الحزبي، وأقله الأيديولوجي، ودائما بمبررات واهية عن المصلحة التي غالبا ما تُختصر في مصلحة الحزب أو التوجه أو التيار، وصولا إلى مصلحة الفئة، بل حتى الشخص في كثير من الأحيان. كما يحدث بين هذا وذاك، أن تتنكر فئات لأصولها الاعتقادية.. نعم لأصولها الاعتقادية في سياقات سياسية مفضوحة، كما هو حال المنظومة الشيعية التابعة لإيران في وقوفها إلى جانب طاغية سوريا، وتحالفها مع طاغية اليمن المخلوع ضد ثورة الشعب، ذلك أن الحسين الذي يرفعون رايته لم يكن سوى نموذج للشعب السوري الثائر بل إن الفارق كبير جدا بين يزيد وبينه، فكم عدد الذين قتلهم يزيد، مقابل من قتلهم بشار؟ وإذا تحدثوا عن المقاومة والممانعة، فقد كانت جيوش يزيد أيضا في حالة اشتباك مع الأعداء حين خرج عليه الحسين. هنا يدوس أولئك على هذا الأصل الاعتقادي، وينحازون لطاغية فاسد في سوريا، وتحالف مع آخر في اليمن، وكل ذلك تحت بشعارات كاذبة، كأن الشعب السوري الذي فاجأ الجميع بثورته، هو شعب خائن وعميل، وأن الشرف منحصر في آل الأسد، وآل مخلوف، وأدواتهم الأمنية، أو كأن مخلوع اليمن قد تحول إلى مقاوم وممانع!! لا توجد عدالة مطلقة في الأرض، فكثيرا ما يموت الطغاة وهم في “هيلهم وهيلمانهم”، وتُقام له المراسم، وتصنع لهم التماثيل، لكن عدالة السماء شيء آخر، وقبلها وبعدها عدالة التاريخ في وضع كل في مكانه الصحيح، وإن كانت هذه ليست مطلقة أيضا، بحضور الكثير من التدليس والتزوير.
المصدر : الدستور 26/4/2016