الله أكبر
تنهمر الفيديوهات اثر مذبحة حلب الاخيرة، فتسمع الناس يكبرون، فرادى وجماعات، قائلين الله اكبر، وهو ذات التعبير الذي سمعناه في فلسطين على مدى اكثر من ستين عاما، وسمعناه في العراق ولبنان، وغزة حصرا، اذ عند كل مأساة تتردد ذات الجملة. واليأس حل في صدور كثيرين، فتقرأ كلاما يقترب الى الخروج من الملة من بعض المعلقين الذين يقولون لماذا لا يتدخل الله ويمنع هذه المذابح، وآخرون يقولون ما ذنب الاطفال والصغار، فتتداخل التكبيرات بالشكوك، وتتجلى الفتن في اسوأ صورها؟!. علينا ان نعرف اولا، ان الله عز وجل بعظمته لم يمنع «قابيل» من قتل «هابيل»، والارض كانت في بدايتها، وافتراض التدخل الالهي، على صحته، وانتقامه للمظلوم، تدخل يجري وفقا لما يريده الله، وليس وفقا لما نريده نحن من حيث الشكل او التوقيت، فنحن العبيد لله، لا يحق لنا هنا اساسا افتراض شكل التدخل وتوقيته وأسسه وسرعته ايضا. لم يسمع العرب والمسلمون كل صيحات الفلسطينيين، طوال اكثر من ستة عقود، وشهدنا وسمعنا مئات الالاف يدعون لله عز وجل، والبعض يكبر، والبعض الاخر يشكو ويبكي، والامر ذاته شهدناه في العراق، التي دكت مساجدها وبيوتها، وقتل فيها الاطفال والابرياء، وامتد ذات الامر الى كل مكان آخر. كل هذه الدعوات والابتهالات، لا تضيع عند لله عز وجل، لكنها لا تلغي العامل البشري، في ادامة هذه الازمات، او حتى وقفها، فالازمات بحاجة لعمل بشري، وليس لدموع وانكسار. هناك جانب يتوقف على البشر، فالقتل قرار انساني، واستمراره ايضا، قرار بشري، فلماذا ننسب هذه القبائح لله عز وجل، باعتبارها من فعله وأمره ، وبالتالي عليه ان يوقفها، باعتبارها فاضت عن الاحتمال، والقدرة على التعامل معها؟!. لا احد ينكر قدرة الله، ولا تدخله، لكن علينا ان لا نغيب العامل البشري وقراراتنا واختياراتنا في كل مانراه، فالقبائح البشرية، صنع بشري محض، والخير من الله فقط. عند كل مصيبة دموية يهرع الناس الى التكبير، قائلين الله اكبر، وعند كل تفجير او قتل يرتكبه احدهم يقال الله اكبر، والواضح ان التعبير بات يتم ربطه بالدم، برغم ان معناه الشرعي واللغوي مختلف تماما، لكنها تعبيرات الحاجة او الغضب او المحنة، تبررها فقط، ساعة المحنة التي أطلت على الانسان، فما وجد تعبيرا سوى ..الله اكبر. اخطر ما في توظيفات هذا التعبير ان الافراط في استعماله، ونشر الفيديوهات التي نسمع عبرها استعماله، توظيفات غير مناسبة، لاننا طوال عمرنا نسمع تعبير «الله اكبر» فلا تتراجع الازمات بل تزيد حدتها، لاننا ربطنا بشكل خاطئ بين نمطية الاستغاثة اللغوية، وما يجري على الارض، ولم يقل لنا احد واع، ان علينا ان نوقف ازماتنا بطرق مادية مختلفة، باعتبارها من صنيعنا نحن اولا واخيرا. الله اكبر، طاهرة عظيمة، بكل ما تعنيه الكلمة، لكن لا يكفي ان نتذكرها فقط في ساعات المحن، وننساها بقية العام، ونفترض فوق ذلك ان تهتز السماء والارض تجاوبا معنا، حين نقولها.
(الدستور 2016-05-01)