«سيولة» الأوضاع في العراق..مَنْ المسؤول؟
لا يبدو انسحاب انصار التيار الصدري من المنطقة الخضراء، الذي جاء «من موضع قوة» احتراماً لزوار المقدسات الشيعية, موجودين في العاصمة في الوقت الحالي, لكنهم سيعودون بعد ذلك لمتابعة مطالبهم. على ماقالت ناطقة باسم التيار من ميدان آخر، خارج المنطقة الخضراء (التي كانت قلعة حصينة قبل الثلاثين من نيسان, يوم اجتاحها انصار التيار الصدري فأثاروا الرعب بين صفوف ساكنيها من رئاسات ونخب وخصوصا سفارات)، سيكون نهاية المطاف في عملية الشد والجذب والمناورات ذات الطابع الكيدي وتلك التي تأخذ عادات الثأر وتصفية الحسابات التي لم يتخلص منها العقل العربي بل تعمّقت وتجذّرت وارتدّت الى الوراء وصولاً الى عصر الجاهلية, ما يعني – ضمن امور اخرى – ان جولة جديدة من الصراع المحتدم بين القوى والزعامات التي سيطرت على المشهد العراقي بعد الغزو الاميركي البريطاني للعراق في العام 2003، تنذر بمزيد من التوتر الذي قد يأخذ أبعاداً عنيفة ومواجهات مسلحة, يمكن ان تُفضي الى فرز واصطفافات يتعرض فيها الجيش العراقي الى الانقسام والتشرذم وربما يدفع داعش الذي سينتعش من اجواء كهذه، الى التدخل في الصراع لصالح احدى القِوى او التنظيمات ذات الطابع الطائفي او المذهبي، ما يعني انه سيكون لاعباً مهماً وربما اكثر اللاعبين قدرة على تحديد الطرف المنتصر، عندها.. لا تسقط فقط مسألة تحرير محافظة نينوى وعاصمتها الموصل المؤجلة الآن بفعل الصراع السياسي الدائر الآن، بل يغدو داعش شرعياً يُحدّد اللاعبين الجدد ويسهم في فرض قواعد لعبة جديدة، لن تكون واشنطن وطهران ازاءها بذات التأثير والنفوذ الذي هما عليه الآن.
سيناريو قد يراه البعض خيالياً أقرب الى المستحيل, منه الى أي شيء آخر يمكن قبوله في وضع عراقي يمتاز بالسيولة وتقلب التحالفات وانهيار عداوات وبروز صداقات لم تكن واردة، قبل ان يأتي حيدر العِبادي الى السلطة بعد صراع عنيف أدى في النهاية الى تراجع نوري المالكي وان كان الرجل لم يفقد سطوته ونفوذه حتى بعد الاعلان :انه «يعتزل» المناصب او ينأى عنها, لكنه الان, وفي الوضع الراهن المأزوم والمفتوح على احتمالات عديدة, طرف أساسي ورئيسي, لأن الحديث لا يدور فقط عن تحجيم او احراج او دفن حيدر العبادي سياسياً, بعد ان بدا وكأنه المسؤول الوحيد عن تواصل الفساد ونهب المال العام وانهيار الخدمات وارتفاع مديونية العراق وانهيار هيبة الدولة التي يحتل داعش ثلث اراضيها وتسترجل تركيا عبر ارسال جنودها الى بعشيقة بذريعة تدريب البيشمركة الكردية, بل وايضاً لأن المناورة «الذكية» (وليس بالضرورة ان تُصيب نجاحاً يذكر) التي يقوم بها مقتدى الصدر قد تُغيّر قواعد اللعبة وتُعيد انتاج نُخب سياسية وحزبية جديدة, يمكنها اذا ما نجحت في تصديع المزيد من الاحزاب والتحالفات, أن تُنهي المستقبل السياسي لكثير من الشخصيات التي برزت وانتعشت بوجود الاحتلال الاميركي لبلاد الرافدين.
هي اذاً لعبة خطيرة فرضها التيار الصدري على اللاعبين «الكبار» الذين لا يريدون التخلي عن سلطاتهم ونفوذهم وخصوصاً المكتسبات التي حققوها, بعد أن سمح لهم الاحتلال الاميركي بالتغوّل, وأَخْذ العراق الى مربع الطائفية والمذهبية والارتهان لقوى اقليمية ذات مصلحة في إبقاء العراق ضعيفاً ومكسوراً وغير قادر على حماية حدوده أو استعادة دوره ومكانته الاقليمية, التي كانت ضمن امور اخرى, حافظة أو مؤثرة في موازين القوى الاقليمية بهذا الشكل أو ذاك.
ليس مهماً كثيراً إن كان حيدر العبادي سينجح في الحصول على ثقة البرلمان لاكمال تشكيلته الوزارية «الاصلاحية» في جلسة واحدة على ما اشترط السيد الصدر, وليس مهماً اذا ما استخَفّ السياسيون العراقيون وقادة الكتل البرلمانية, بما هدد به رئيس البرلمان سليم الجبوري من احتمالات تغيير هيكلية الدولة العراقية, التي سيقوم بها «قادة العراق الكبار» على ما جاء في تصريح غاضب له, بقدر ما هو مهم الان معرفة المدى والكيفية التي ستذهب اليها الاحزاب الكبيرة وفي مقدمتها كتلة ائتلاف دولة القانون التي يرأسها المالكي والتي تحوز على مائة مقعد من اصل 328 نائباً هم مجموع نواب البرلمان العراقي,في التعاطي مع ذيول وتداعيات الازمة السياسية المتدحرجة, فحكومة التكنوقراط غير القائمة على المحاصصة على ما اقام التيار الصدري احتجاجاته ومطالبه, لا تحمل حلاً سحرياً لمشكلات العراق البنيوية العميقة والخطيرة ,وليس بالكيدية السياسية أو أخذ العراق الى الهاوية,يمكن للاصلاح ان يُقلِع أو للفساد ونهب المال العام أن يختفيا أو يتراجعا.
(الرأي 2016-05-03)