الاردن بموقع متقدم بحريات الصحافة
المدينة نيوز :– رغم الظروف والازمات السياسية التي تعيشها المنطقة، وما تعكسه على واقع الصحافة، إلا ان الاردن كان استثنائيا في تصدّره للمهنية والحرية الصحفية والاعلامية التي هي انعكاس للحرية والامن والامان والاستقرار، في بيئة حاضنة وداعمة للحريات بمختلف صورها واشكالها حسب تأكيدات خبراء بهذا المجال.
وبمناسبة اليوم العالمي للصحافة الذي يصادف اليوم الثلاثاء، أشارت منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، الى أهمية حق التعبير والحصول على المعلومة باعتبارها هدفا من أهداف التنمية المستدامة، بما يتيح إمكانية وصول الجميع إلى العدالة، وبناء مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة وشاملة للجميع بمختلف المستويات.
ويعتبر وزير الإعلام الأسبق الدكتور نبيل الشريف، أن التقييم العام لواقع الصحافة العربية بما يتعلق بموضوعات الحريات الإعلامية، يشوبه الكثير من جوانب القصور، موضحاً أنه لا "نستطيع أن ننكر ما تعانيه العديد من الدول العربية من واقع مأزوم من حيث الفتن الداخلية أو الصراعات العسكرية، لتكون الحريات الصحفية هي أول ما يضحى به، إلى جانب التضحية بالصحفيين أنفسهم نتيجة ذلك"، لافتاً إلى أن الصورة العامة للحريات الصحفية بوجه عام في المنطقة تميل إلى السلبية أكثر من الإيجابية، خصوصا ما يتعلق بحق الحصول على المعلومات، لأن الحكومات هي التي تسيطر على الأخبار ومصادر المعلومات والبيانات بصورة عامة، الأمر الذي يعوق من التقدم في مجالات الحريات الإعلامية وإيجاد تعددية إعلامية بالشكل الصحيح.
ويضيف الشريف لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن الأردن من أوائل الدول التي ادركت أهمية حرية الصحافة، وسنت قانوناً لحق الحصول على المعلومات، حتى وإن كان ينقصه بعض التعديلات، إلا أنه يبقى إطارا تشريعيا يصون هذا الحق بالممارسة المهنية الإعلامية.
ويشير إلى أن العلاقة بين الإعلام والتنمية المستدامة علاقة تكاملية، فلا يمكن تحقيق التنمية دون إعلام حر ومستقل وموضوعي، وفي المقابل تسهم التنمية في وجود إعلام حر ومستقل، لافتاً إلى أن رسالة الإعلام الأردني قائمة على أن الحريات الصحفية هي جزء من حرية المجتمع، كما أن تنمية الإعلام هي جزء من تنمية المجتمع، مبيناً أن الحرية الصحفية لا تخدم الصحفيين، وإنما "نطالب بها لخدمة المجتمع بوجه عام، وبالتالي يجب علينا أن ندرك أن الحرية الإعلامية تخدم مجتمعنا ووطننا وتضعه في مستوى رفيع ومتقدم في مسألة الحريات الصحفية".
وحول ما هو المطلوب الآن من الصحفيين تجاه مهنتهم يؤكد الشريف ضرورة الالتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية، وتحري الدقة والمصداقية في نقل الأخبار، في ظل وجود تقصير مهني وأدبي في بعض الأحيان، فلا يمكن المطالبة بالحريات الإعلامية دون ترتيب بيتنا الداخلي كصحفيين.
ويقول نقيب الصحفيين الأردنيين الزميل طارق المومني، إن ما يسمى بالربيع العربي والأحداث التي وقعت نتيجته في العديد من الدول العربية، فرض نفسه بقوة على حرية الإعلام في المنطقة، ولجأت بعض الدول إلى الحل الأمني في التعامل مع الحريات الإعلامية والصحفيين، ما يشير إلى حجم التجاوزات والانتهاكات التي حدثت بحق المهنة والعاملين فيها.
ويبين أن الأردن شهد تقدما في الحريات الصحفية، إلا "أننا بحاجة لتقدم اكبر في هذا المجال من خلال تعديل وتنظيم تشريعات الحريات الصحفية، لتتماشى مع مسيرة الأردن الاصلاحية، خصوصا قانون (حق الحصول على المعلومات)، موضحاً أن مشكلة حجب المعلومات عن الصحفيين تعد من أكبر التحديات التي يعاني منها الصحفي".
ويطالب بتعزيز استقلالية المؤسسات الصحفية، لأن العلاقة بين التنمية والحريات الصحفية هي علاقة ارتباط عضوي، وذلك يتمثل بوجود علاقة بين حرية الإعلام وانخفاض مؤشر الفساد في دولة ما، كما أن هناك علاقة بين حرية الإعلام وحجم الاستثمارات الاقتصادية في دولة ما، وغيرها من الأمثلة والشواهد التي تؤكد أهمية الحريات الإعلامية في تقدم الدولة ونهضتها على كل المستويات.
ويدعو المومني الصحفيين في مختلف مواقعهم العملية إلى الالتزام بآداب وأخلاقيات المهنة وعدم تجاوزها، والابتعاد عن التجريح والإساءة والتركيز على النقد الموضوعي، إضافة إلى البحث عن الحقيقة بمختلف جوانبها.
خبير التشريعات الإعلامية ومدونات السلوك الزميل يحيى شقير، يقول ان مشاركته ضمن الاحتفال الرئيسي الذي تقيمه اليونسكو باليوم العالمي لحرية الصحافة هذا العام في فنلندا تحت شعار، (الوصول الى المعلومات والحريات الاساسية :هذا من حقك)، تأكيد على اهمية حق الحصول على المعلومات، كما ان اختيار فنلندا للاحتفال بهذا اليوم لأنها والسويد (كانت مملكة واحدة) تحتفلان هذا العام بمرور ربع قرن على إقرار أول قانون للحصول على المعلومات في العالم عام 1766.
واشار الى ان الاردن لها السبق في الوطن العربي في إقرار أول قانون للحصول على المعلومات رقم47 لعام 2007، وتبعتها تونس فاليمن وأخيراً السودان، الا انه وبعد مرور حوالي تسع سنوات لم يفعّل القانون بالصورة المطلوبة، مع أهمية اجراء التعديلات اللازمة عليه، لانضمام الأردن إلى"شراكة الحكومة المنفتحة أو المفتوحة"، التي يعد حق الحصول على المعلومات أحد مكوناتها الرئيسية الأربعة.
ويضيف انه وبموجب خطة العمل الأولى التي قدمها الاردن لهذه الشراكة عام 2011، هو الالتزام" بتحسين سبل الحصول على المعلومات من خلال اعتماد تعديلات للقانون الحالي لضمان حق الحصول على المعلومات بهدف تحسينه وضمان اتساقه مع أفضل الممارسات الدولية".
ويشير إلى إن الأردن تقدم ثماني درجات (135 بعد أن كان 143 العام الذي سبقه) في أحدث مؤشر عن حرية الصحافة، والذي تعده سنوياً منظمة "مراسلون بلا حدود"، وهي تعد نتيجة طموحة في بلوغ ما سبقتنا اليه دول أخرى في مجال الحرية الصحفية.
ويوضح ان حرية الصحافة تعني العمل في بيئة مواتية يتم فيها احترام أصول المهنية الصحفية واخلاقياتها، وتشريعات تضمن الحق في الحصول على المعلومات وتلقيها ونشرها، على أن تتناسب العقوبة مع الخطأ.
وحول الصحافة الرقمية وكيفية تأثيرها على الحريات الصحفية، يذكر شقير، إن الصحافة الرقمية هي نتيجة طبيعية لتزاوج تكنولوجيا المعلومات والاتصال ولا يمكن لأحد إنكار صعودها، إذ فرضت تحديات كثيرة على الصحافة الورقية ويجب التكيف معها.
ويقول نائب عميد كلية الاعلام في جامعة اليرموك الدكتور خلف الطاهات، ان الظروف الاستثنائية والازمات السياسية التي تمر بها المنطقة، دفعت الحريات الصحفية فيها ثمنا باهظا، الا ان الاردن كان استثنائيا في الاداء، ويخطو بثبات وبقفزات نوعية واستثنائية في مجال الحريات الاعلامية.
ويؤكد ذلك من -وجهة نظره-، ان النهج الاصلاحي في الاردن بأدواته، والحريات الاعلامية هي اهم وابرز الادوات التي تعكس الحراك العام برؤية وفكر الدولة، وإجراء اصلاح تشريعي شامل يمس الحريات العامة ويوسعها ويطلقها.
ويرى الطاهات اهمية ان يتحلى الاعلاميون بمسؤولياتهم الوطنية والمهنية في هذه المرحلة العصيبة التي تشهد تحديات جسام، ما يدعو الى الالتزام بالمعايير المهنية ومواثيق الشرف والاخلاق الصحفية، "فالحرية التي ننعم بها هي انعكاس ونتاج حقيقي لبيئة امنة يعيشها الوطن، فلا معنى للحرية اذا لم تكن في بيئة آمنة مستقرة تحتضن وتدعم قيمة الحرية".
ويوضح انه لم يسجل للصحفيين الاردنيين اي انتهاكات جسيمة، اذ كلما قل عدد الانتهاكات التي يسجلها الصحفيون أثناء الاداء اليومي وهو زخم، مؤشر على نضج ومهنية العاملين في الوسط الاعلامي والصحفي والتزامهم وتحملهم للمسؤولية الملقاة على عاتقهم عن غيرهم من نظرائهم في عدد من البلدان.
ويذكر ان شعار هذا اليوم، يفرض تحديا كبيرا، اذ ان غالبية الانتهاكات تأتي من الصحافة الرقمية، وصحافة المواطن تغيب فيها المؤسسية والتدريب والاحتراف والعمل التنافسي، ويخضع للمزاجية والفردية وقلة التأهيل، فأي صحافي مواطن يدعي التمثيل الاعلامي والصحفي من خلال مدونة، او صفحة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ما يعني تحديا كبيرا لهذا النوع من الصحافة.
ويشير الطاهات الى اهمية الحصول على المعلومات، الذي أصبح امرا مهما، ويقع على عاتق موظفي العلاقات العامة والناطقين باسم المؤسسات الحكومية مسؤولية تزويد ما يطلبه الصحفيون المحترفون من معلومات بالسرعة الممكنة، ذلك ان الابطاء او التأخر في عملية الحصول على المعلومة، قد يقود الى مشاكل مجتمعية تشوه الرأي العام وتقدم معلومة من شأنها أن تحتاج الى فترة أطول في تصويب المعلومة او الخبر أو المعلومات التي تهدف الى اغتيال الشخصية.
ويبين ان الصحافة الرقمية هي التحدي الكبير الذي يعيشه الاردن، ومن الضرورة مواكبة التشريعات لهذا التطور ولهذا النمط الجديد من الصحافة والاعلام الجديد بحيث لا يؤثر على مكتسبات الوطن، من خلال نشر او اطلاق الاشاعات أو الاخبار المفبركة.