سقوط عاملات المنازل من النوافذ بازدياد
المدينة نيوز :- لحظات رعب شديدة عاشتها ناديا، عندما سقطت عاملة منزلها من نافذة الشقة في الطابق الرابع، لكن العناية الإلهية تدخلت لإنقاذ العاملة من موت محتم، حيث سقطت على قرميد الشقة الأرضية، الأمر الذي خفف، من حدة سقوطها.
تقول ناديا إنها لطالما أوصت عاملتها باتباع شروط السلامة عند تنظيفها للنوافذ، لكن الأخيرة “لم تكن تصغي”، ففي أول مرتين نظفت النوافذ أمامها وطلبت منها أن تنتبه وتغلق الأباجورات وأن لا تمد جسدها خارج الشباك، لكنها كانت من النوع العنيد”.
وكانت العاملة تعرضت لهذا الحادث بعد قدومها إلى الأردن بستة أشهر، لتبقى في المستشفى أسبوعين، حيث عانت من كسر في يديها ورضوض في جسمها، ولتخرج بعدها إلى بيت مخدومتها، لكنها لم تستطع العمل لفترة طويلة نظرا لحالتها الصحية.
وبعد تحسن حالتها الصحية عادت العاملة للعمل في بيت صاحبة المنزل، لكن الأخيرة تؤكد أن “جوا غير مريح” كان يسود منزلها، نتيجة تكرار العاملة لأخطاء تعتقد أنها قد تعرض بيتها وأطفالها للخطر.
وتضيف: “بعض الأجهزة الكهربائية تعطلت نتيجة سوء الاستعمال، والأخطر من ذلك أننا رجعنا مرتين إلى البيت لنكتشف أنه مملوء برائحة الغاز نتيجة نسيان العاملة إغلاق الفرن”.
غير أن قرار العائلة بالاستغناء عن العاملة، رغم عدم إكمالها مدة عام وشهرين، من عقدها البالغ عامين، كان بسبب “استمرار شكوى العاملة من أنه تم الاحتيال عليها من قبل صاحب المكتب في بلدها والأردن، حيث أوهموها أنها ستأتي للأردن للعمل كنادلة في مقهى وليست في منزل”.
وتقول صاحبة المنزل: “قررت إعادتها للمكتب رغم تكبدي مبالغ تفوق قدرتي، حيث دفعت حوالي ثلاثة آلاف دينار بدل رسوم استقدام، وألفين للمستشفى عندما سقطت، فضلا عن خمسمئة دينار لإصلاح قرميد الجيران، لكن شعوري أن العاملة غير مرتاحة سبب القلق لأسرتي كونها تعمل بدون رغبة، فقررت الاستغناء عن خدماتها”.
غير أن ناديا لا توجه لومها للعاملة، بل تعتبرها “ضحية”، كونها “تم الاحتيال عليها وإيهامها أنها ستعمل في مجال آخر”.
وترى أنها ومن خلال خبرتها الشخصية، وتجارب من حولها من العائلات، أن “عدم تعريف العاملات بطبيعة عملهن، قبل قدومهن، وعدم إخضاعهن للتدريب، هما من أهم أسباب مشاكل قطاع العمل المنزلي، ويوقعان العاملة وأصحاب المنزل كضحايا لبعض تجار استقدام عاملات المنازل”.
ويتكرر مشهد سقوط عاملات المنازل من النوافذ، كل فترة، وسط غياب المعلومات فيما إذا كان سقوطهن سببه “الإهمال أو محاولات انتحار أو لأن أحدا دفعهن من النافذة”، في حين تتفق جميع الأطراف أنه يجب توفير الحماية سواء للعاملة، التي “قد تقرر الانتحار أو الهروب نتيجة تعرضها لانتهاكات من بعض أصحاب العمل، أو أصحاب المنازل الذين لا يجدون من يعوضهم ماليا في حال ترك العاملة لمكان عملها، الأمر الذي يجعلهم يشددون الخناق عليها وحرمانها من حقوق أساسية، كحق التنقل والاحتفاظ بوثائقها الرسمية”.
حنين الربضي شهدت هي الاخرى تجربة سقوط لعاملتها من نافذة المنزل، مع اختلاف أن السقوط جاء بسبب “محاولة انتحار فاشلة”، بحسب تأكيدات حنين، التي تقول إنها “ومنذ اللحظة الاولى التي جاءت فيها العاملة إلى المنزل لم تتوقف عن البكاء”.
واعتقدت حنين في البداية أن العاملة تفتقد أهلها، لكن “الأمر تطور إلى اقدام العملة على ضرب رأسها بالحائط ومحاولة إيذاء نفسها، ثم بمحاولة رمي نفسها من النافذة”.
وتقول الربضي: “هذه المرة الثالثة التي أستقدم فيها عاملة منزل ولم أوفق أبدا، فواحدة منهن تركت البيت بعد أربعة أشهر، والأخرى كذلك، لكن الأخيرة تبين لي، وبعد عرضها على الطبيب، أنها تعاني مرضا نفسيا، وبالطبع أرجعتها للمكتب خوفا على نفسي وأطفالي”.
غير أن الأمر لم يكن كذلك في أغلب حالات السقوط أو الانتحار التي شهدها الأردن في الفترة الأخيرة، حيث يؤكد مطلعون على هذا الملف، أنه “ورغم أن سقوط أو انتحار العاملات لا يعد ظاهرة في الأردن، إلا أن أغلب الحالات يكون السبب وراءها تعرض العاملة لانتهاكات جسيمة جعلتها ترمي بنفسها من النافذة في محاولة للهروب أو للانتحار”.
وهذا الأمر، يشير إليه سقوط ثلاث عاملات منازل مؤخرا من أحد مكاتب استقدام عاملات المنازل، في عمان، الذي يقع في طابق ثالث، بعد “تعرضهن للضرب على يدي صاحب المكتب وتهديده لهن بالقتل”.
وأكدت العاملات المصابات أنهن “ضحايا انتهاكات بدأت من بلدانهن، حيث تم التغرير بهن فيما يتعلق بالأجور وطبيعة العمل، كما تعرضن للانتهاكات في المنزل، ليستمر الأمر، بشكل أكبر في المكتب، حيث انتهى بصاحب المكتب لضربهن بشكل مبرح وحبسهن في الحمام”.
وتشير أرقام مركز تمكين للدعم والمساندة إلى أنه في العام 2014 “شهد الأردن حوالي 100 محاولة انتحار فاشلة أدت لإصابات لعاملات منازل، منها إصابات خطيرة ووفاة واحدة، في حين شهد العام 2013، 108 محاولات”.
“سارة” عاملة منزلية أندونيسية، بدأت العمل في الأردن منذ كان عمرها 18 عاما فقط، حيث كانت البداية مع صاحب منزل أخضعها لعدة “انتهاكات” مثل العمل لمدة 20 ساعة متواصلة يوميا دون راحة أو طعام، والإساءة اللفظية، والحرمان من الاتصال بعائلتها.
وفي هذا الصدد تقول سارة، إن هذه الظروف “ولدت لديها الرغبة في الانتحار، فحاولت ذلك ثلاث مرات خلال مدة عقدها مع صاحب العمل، وكانت المحاولة الأخطر عندما قطعت وريدها بسكين وفقدت كميات هائلة من الدم”، مشيرة إلى أن الإصابة كانت “عميقة وأن صاحب العمل لم يلحظها إلا بعد أسبوع فقط عندما أصيب الجرح بالالتهاب”.
ولاحقا تمكنت سارة من تغيير صاحب العمل عن طريق مكتب الاستقدام، إلا أنها “هربت” من صاحب عملها الثاني نظرا لعبء العمل، حيث كانت مسؤولة عن أعمال البستنة إضافة إلى أعمال منزلية أخرى.
وبعد هروبها وجدت عملا جديدا من خلال أحد المكاتب غير النظامية، التي تؤكد سارة أنها “أفضل من المكاتب الرسمية المسجلة”، فأصبحت عاملة مستقلة تعيش وحدها في شقتها الخاصة، ولديها “كفيل مسجل على الورق”.
بدورها، تؤكد مديرة مركز “تمكين” لندا كلش، أن المركز أصدر تقريرا مؤخرا يشير إلى أن “11.3 % من عاملات المنازل شهدن إصابات تسببت بعواقب جسدية وصحية خطيرة”، مؤكدة ان بعضهن “حاولن الانتحار برمي أنفسهن من النافذة نتيجة تعرضهن لانتهاكات”.
مدير وحدة المساعدة القانونية في مركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان المحامي حسين العمري بين أنه ومن خلال خبرته في التعامل مع شكاوى عاملات المنازل، “يشعر بتزايد حالات السقوط والانتحار بينهن”.
ويقول العمري: “في أغلب حالات الانتحار لم يتم إجراء تحقيق فعال لتحديد الدوافع والأسباب”، مؤكدا ضرورة إجراء المزيد من التحقيقات الجنائية في هذه الحالات لمعرفة أسباب قيامهن بذلك، ومحاولة إيجاد حلول لهذه الأسباب للحفاظ على حقوق الجميع.
ويشير العمري إلى أن عملهم في استقبال شكاوى عاملات المنازل يؤكد أنهن “اشتكين من تعرضهن لظروف عمل قاسية، كطول ساعات العمل وعدم تلقي الرعاية الصحية، وتردي مكان السكن، وعدم توفير الطعام الكافي، وتعرضهن للضرب والشتائم، وعدم السماح لهن بممارسة شعائرهم الدينية، وحرمانهن من الاستراحة، كما ساهم نظام الكفيل وتطبيقاته، بشكل مباشر وغير مباشر، في قبول العمال والعاملات بجزء من الانتهاكات لعدم وجود أي بديل لهم سوى الاستمرار بالعمل”.
وكان مصدر مطلع في وزارة العمل، ذكر في تصريح سابق لـ”الغد”، أن “بعض أصحاب مكاتب الاستقدام لا يلتزمون بالعقد الموقع مع صاحب العمل، ما يسبب مشاكل بعد بدء عمل العاملة في المنزل، وأحيانا عند عودتها للمكتب يقومون بانتهاك حقوقها كتشغيلها في عدة منازل، أو حجزها لأيام في المكتب”.
وأكد ضرورة لجوء المكاتب الى تدريب العاملات قبل قدومهن، وتوضيح طبيعة عملهن، وتعريفهن ببعض العادات والتقاليد السائدة في الأردن.
وتشير إحصاءات تقديرية لوزارة العمل، إلى أن الشهور العشرة الأخيرة “شهدت هروب حوالي 500 عاملة منزل، في حين رفضت حوالي 100 عاملة العمل لأسباب مختلفة”.
ويعتمد نظام تأمين المكاتب الخاصة باستقدام واستخدام غير الأردنيين العاملين في المنازل منافع تأمينية جديدة تشمل التأمين الصحي بشكل أفضل، والتأمين ضد الحوادث والوفاة، فيما تم إضافة بوليصة تأمين جديدة خاصة بترك العمل أو رفضه لأي سبب كان.