الدولة إذ تهيمن اقتصادياً!
أكثر المشاهد وضوحا في الأردن، هو الرغبة أكثر رسمياً في السيطرة والهيمنة على كل شيء، لاسيما الاقتصاد.
يشكل القطاع العام أكثر من 46 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهي النسبة الأكبر عالميا في حجم قطاع عام، ولها سلبيات يصعب حصرها هنا. وكان نائب رئيس الوزراء الأسبق د. مروان المعشر قد أشار مؤخرا، في ندوة سياسية، إلى أن الاقتصاد الأردني تأسس على قاعدة أن يكون ريعيا لا إنتاجيا، وألمح إلى أن الدولة تقوم بتشغيل 42 % من القوى العاملة في البلاد، وهي أيضا أعلى نسبة في العالم، في ظل تخبط معايير التوظيف وانتشار البطالة المقنعة. لكن حصيلة هذا التورم في توسيع دور الدولة اقتصاديا، انتهى إلى مخاطر جمة، يقف في مقدمتها ارتفاع المديونية الداخلية والخارجية إلى نحو 93 % من الناتج المحلي الإجمالي!
تجربة انسحاب القطاع العام من النشاط الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي -والحالة هذه- لم تكن حقيقية أو نابعة من رؤية مبدئية لما سيكون عليه شكل الاقتصاد ومضمونه. فنحن اليوم أمام أشكال جديدة من السيطرة، تجعل القطاع الخاص تابعا للرؤية الرسمية من ألفه إلى يائه؛ لا عبر القوانين والقرارات وحسب، وإنما ببعض التعيينات أيضا.
والدولة بسيطرتها المباشرة على مؤسسات كبرى في القطاع الخاص، تكون قد أحكمت المسألة بعيدا عما تردد في السنوات الماضية بشأن المشاركة والتفاعل وتأهيل القطاع العام ليكون في خدمة القطاع الخاص والتنمية وتحسين شروط الأردنيين. غير أن هذه التحولات جعلت الأسئلة تتكاثر حول ما الذي تريده الدولة من الاقتصاد، وهل فعلا انسحبت الحكومة من الصناعة والتجارة وسوق الخدمات، أم أنها ما تزال تاجرا كبيرا كما تفعل في تسعير النفط، ولاعبا عبر ذراعها التقليدية؛ مساهمات مؤسسة الضمان الاجتماعي؟
إن الطريقة التي تدير بها الدولة دفة الاقتصاد ليست ذات جدوى في سياق تحسين حياة الأردنيين. بل إن ذات الطريقة لا تستطيع أن تبقي الأمور على ما هي عليه في سياق اللحظة الراهنة، فالامور تعود إلى الوراء، وكل ما فعلته الحكومة من جباية على امتداد السنوات الأربع الأخيرة لم ينتج إلا مزيدا من الغلاء والفقر والبطالة.
(الغد 2016-05-07)