دموع أم لُعاب ؟؟
هناك مثل عراقي استوقفني لغزارة وعمق دلالاته وقابليته للتأويل في كل مجالات الحياة، يقول ان هناك من يبكون على الهريسة وليس على الإمام الحسين، والهريسة العراقية ليست كهريسة بلاد الشام، بل هي على العكس مالحة ولاذعة . كم من العرب بكوا على الهريسة وليس على فلسطين في مختلف المواسم ؟ وكم منهم بكى وذرف دموع التماسيح على النفط وليس على العراق وعلى الصناعات السورية الرخيصة نسبيا وليس على الشام ؟ لقد اصبحنا بحاجة الى تفكيك هذه الاحجية كي نفض الاشتباك بين القلب واللسان وبين ما يعلن وما يخفى، فالشيزوفرينيا بلغت ذروتها الوبائية ولم تعد مرضا عارضا يصيب افرادا فقط، ومن حق اي عربي ان يشك في كل ما يقرأ ويسمع ويشاهد بعد ان رأى من قالوا ذات يوم بأن الارض كروية وتدور يعتذرون ويقولون انها مستطيلة او شبه منحرف ولا تدور رغم انه ما من محاكم تفتيش تتربص بهم ! كيف نفضّ الاشتباك بين مشهدين مُتناقضين، وبأية معجزة يحتفظ البعض بالجمرة والثلج على اليد ذاتها ؟ فمن اعطوا كل ما للرب والناس الى قيصر هم الذين هللوا وصفقوا حين شاهدوه يتدلى من حبل المشنقة . ان قرونا بل ألفيات من الكبت وكظم الغيظ والفقر المزمن والهلع الذي تجاوز قشعريرة الفأر من القط لا بد انها راكمت تكوينات سايكولوجية هي التي افرزت كل هذا النفاق وهذه الازدواجية الوقائية . اخيرا، من يفسر لنا كيف اصبح لكل فرد منا فلسطينه وعراقه وشامه واخيرا اسلامه وعروبته ؟ وأية خصخصة تاريخية وقومية حوّلت امة الى كسور عشرية واذا استمرت متوالية التذرر فسوف تحولهم الى هباء ؟ كفى بكاء على الهريسة سواء كانت شامية او عراقية, فالامر جلل والمصاب آخر من يعلم .
(الدستور 2016-05-09)