1200 طفل ذي إعاقة بسوق العمل دون حماية
المدينة نيوز :- على مقربة من سوق تجاري كبير، في أحد أحياء منطقة النصر، يجلس كرم على كرسيه المتحرك، وأمامه بسطة صغيرة، تناثرت عليها أكياس مغلقة تحوي أوراق ملوخية وسبانخ. هذا الطفل، الذي لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره، لا ينادي على بضاعته، بل ينتظر بهدوء المارة، ويبقى على تلك الحال لمدة تتجاوز سبع ساعات يوميا.
وبات كرم معروفا بين سكان المنطقة، ولا تقتصر بضاعته على الملوخية والسبانخ، بل تتنوع حسب المواسم، فتارة يبيع "الترمس"، وأحيانا أخرى يعرض أنواعا من الحلويات المغلفة.
وفيما يوصل الأهالي أبناءهم إلى مدارسهم، توصله أمه إلى ذلك المكان، الذي يندر أن يغيره، نظرا لقربه من بيته.
ولم يبد كرم رغبة بالحديث مع "الغد"، لكن أمه التي جاءت لأخذه للمنزل قبل غروب الشمس، قالت: "لم يكن أمامي خيار آخر، إذ كان من الصعب إبقاؤه في المدرسة الحكومية القريبة من بيتنا، لأنه يحتاج لعناية خاصة نظرا لإعاقته، وأقرب مركز لمن هم في مثل وضعه ليس قريبا، ويحتاج أن أدفع مبلغا من المال مقابل ذهابه وإيابه منه، ووضعي المالي لا يسمح بذلك".
ولا تجد والدة كرم مشكلة في خروج طفلها إلى سوق العمل، فمن وجهة نظرها، فإن هذا "يبقيه مشغولا ويعمل شيئا مفيدا"، فضلا عن المساعدة ولو "بشكل متواضع" في تأمين مصاريف البيت الكثيرة، حيث يعمل والده حارسا في إحدى الشركات، ولا يكاد دخله يكفي الأسرة لأكثر من عشرة أيام في الشهر، كما أنها لا تشعر بالقلق عليه، إذ تستطيع أن تراه من نافذة البيت.
ولا تعير والدة كرم أي اهتمام لمستقبل طفلها، فهي كما تقول: "الله يتولانا ويتولاه".
وعندما سألناها عن تقديم المساعدة لطفلها من قبل الجهات المختصة بحالته، علقت: "لم نلجأ لأي جهة إلا لأحد المراكز الذي نصحنتا به مرشدة عندما كان في المدرسة القريبة، وعندما ذهبنا إليه، تبين أننا يجب أن نخضع لمعاملات طويلة قبل قبوله، ما يعني أن هناك عوائق كبيرة أهمها تأمين مصاريفه في حال ذهابه إلى المركز".
ضبط قانوني
الواقع أن كرم ليس فقط طفلا متسربا من المدرسة، يعمل في القطاع غير المنظم، حيث إن التشريعات المحلية والدولية تمنع عمل الأطفال تحت سن السادسة عشرة، بل هو أيضا طفل ذو إعاقة يفترض أن تؤمن له رعاية وحماية مضاعفة.
وتنص المادة (73) من قانون العمل الأردني على: "مراعاة الأحكام المتعلقة بالتدريب المهني، ولا يجوز تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشرة من عمره بأي صورة من الصور"، في حين يجيز القانون ذاته تشغيل من هم فوق السادسة عشرة ولكن في أعمال ليست خطرة أو مرهقة أو مضرة بالصحة.
وفي حالة الأطفال ذوي الإعاقة في سوق العمل، لا يبدو أن هناك تعليمات أو قوانين أو حتى دراسات تشير إلى أوضاعهم، رغم أن المتابعين لأوضاعهم، يشيرون إلى أن نسبة التسرب المدرسي بينهم "عالية جدا"، ولذا من المتوقع أن يكون جزءا منهم، قد انخرط في سوق العمل.
هذا الأمر يؤكده عضو مجلس الأعيان، الناشط في مجال حقوق ذوي الإعاقة الدكتور مهند العزة، حيث يقول: "ملف ذوي الإعاقة بشكل عام لم يأخذ نصيبه من الاهتمام الكافي من مختلف الجهات"، الأمر الذي ضاعف عددهم في سوق العمل.
وربما يعود تفسير هذا الأمر إلى أن القوانين والتشريعات لا تميز بين الأطفال الأصحاء ونظرائهم من ذوي الإعاقة، حيث يندرج ذوو الإعاقة ضمن عمالة الأطفال، إلا أن نشطاء في قطاع ذوي الإعاقة يطالبون بزيادة الاهتمام بالأطفال ذوي الإعاقة في قطاع العمل، نظرا لتضاعف المعاناة لديهم، إذ يكونون عرضة لانتهاكات عدة لحقوقهم من أقرانهم، على الرغم من تعرض كليهما لانتهاك حقوقه.
لا إحصاء لعمالة أطفال ذوي الإعاقة
رغم عدم وجود دراسات أو أرقام رسمية تشير إلى أعداد الأطفال ذوي الإعاقة في سوق العمل، إلا أن العزة يتوقع وجود نسبة كبيرة منهم في سوق العمل.
ويقول في هذا الصدد: "هناك العديد من الأطفال ذوي الإعاقة ممن يجدون أنفسهم مضطرين لترك المدرسة كونها لا توفر بيئة دامجة لهم".
وينص قانون التربية والتعليم رقم 3 لسنة 1994 في مادته الخامسة الخاصة ببيان مبادئ السياسة التربوية في فقرتها (و) على: "توسيع أنماط التربية في المؤسسات التربوية لتشمل برامج التربية الخاصة والموهوبين وذوي الاحتياجات الخاصة"، غير أن الممارسات على أرض الواقع تؤكد أن البيئة التعليمية طاردة لهم، وبذلك يلجأ عدد منهم إلى سوق العمل في سن صغيرة.
لكن إذا افترضنا أن نسبة ذوي الإعاقة تشكل، بحسب راصدين، 3% من عدد الأطفال العاملين الذين قدرت دراسة حديثة، صدرت في نيسان (إبريل) الماضي عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي، عددهم بنحو 40 ألف طفل، فهذا يعني أن عدد الأطفال ذوي الإعاقة يصل إلى أكثر من 1200.
وكان تقرير صدر العام 2012 يرصد أوضاع ذوي الإعاقة في الأردن، يؤكد أنه "فيما يتعلق بالتهيئة البيئية للمدارس العامة، فإنه يلاحظ ندرة المدارس المهيأة تهيئةً بيئيةً كاملةً ومتكاملة".
ويصل عدد المدارس المهيأة التابعة لوزارة التربية والتعليم إلى 600 مدرسة مختلفة من أصل 6007، وفق مديرية التربية الخاصة في وزارة التربية والتعليم.
ويدخل عمل الأطفال ذوي الإعاقة في تفاصيل متعددة من "الانتهاكات" التي ترتكز في الأصل على عدم قدرة هذا الطفل على حماية نفسه من أي إساءة محتملة قد يتعرض لها.
وما ترويه والدة طفل لم يبلغ الخامسة عشرة قد يوضح أكثر حجم "الانتهاك" الذي يتعرض له الأطفال ذوو الإعاقة في سوق العمل والحياة بشكل عام، حيث تقول هذه الأم، إنها اتخذت وزوجها قرار إخراج طفلهما ذي الإعاقة السمعية من المدرسة، "بعد تدهور صحته النفسية لعدة أسباب، منها عدم قدرته على متابعة أقرانه، وتعرضه للمضايقات من بعضهم بسبب إعاقته".
وتضيف الأم أن ابنها "يعمل في سوبر ماركت في نفس الحي" الذي تقطن فيه بمنطقة "المحطة" بعمان، حيث يقوم بنقل البضائع من المخزن إلى مكان العرض في السوبر ماركت، إضافة إلى قيامه بأعمال التنظيف.
وتتابع: "ابني أكثر سعادة الآن، وصاحب السوبر ماركت يعامله كابنه، وأيضا دخله يساعدنا في مصاريف البيت".
وتقر الأم بحقوق ابنها الضائعة في التعليم مثل أشقائه بقولها: "والله الظروف المعيشية الصعبة منعتنا من وضعه في مكان تعليمي يلائم وضعه".
غائبون عن السلطة الرقابية
فيما تسعى جهات حكومية ومدنية جاهدة لمحاولة الحد من عمالة الأطفال، من خلال سحبهم من سوق العمل وإعادة تأهيلهم دراسيا، عبر برامج تتكفل بها وزارتا العمل والتنمية الاجتماعية، إلا أنه يبدو أن ملف الأطفال ذوي الإعاقة في سوق العمل لم يفتح بعد، وهذا ما تؤكده مديرة قسم عمالة الأطفال قي وزارة العمل شيرين الطيب، موضحة أن الوزارة "لم تستقبل حالة واحدة لطفل عامل ذي إعاقة"، وتفترض أنهم يعملون في القطاع غير المنظم، ما يجعل عملية التفتيش على الأماكن التي يعملون بها أكثر صعوبة.
لكن مصدرا مطلعا على أداء المؤسسات الحكومية والأهلية، التي تعمل في مجال الحد من عمل الأطفال، يؤكد أن الأطفال ذوي الإعاقة في سوق العمل "غائبون تماما عن أذهان راسمي السياسات ومنفذيها".
ويقدم دليلا على ذلك بتأكيده أن المراكز التي تعنى بسحب الأطفال العاملين من سوق العمل وتحاول إيجاد بيئة تعليمية لهم داخل هذه المركز هي نفسها "غير مهيأة من حيث تصميم المباني أو ما تقدمه من برامج لاستقبال أطفال ذوي إعاقة"، مضيفا: "لعل مركز الدعم الاجتماعي خير دليل على ذلك".
بدوره، يطالب المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين، بضرورة تفعيل اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والمادة 4 البند ب من قانون حقوق الأشخاص المعوقين رقم 31 لسنة 2007، وكذلك المادة 5 من قانون التربية والتعليم حول توسيع أنماط التربية لتشمل التربية الخاصة.
أطفال يعملون في أماكن غير مرخصة
مستشار الطب الشرعي الخبير في مواجهة العنف الأسري لدى مؤسسات الأمم المتحدة، الدكتور هاني جهشان، يبين أنه "وبسبب عدم تلقي الأطفال ذوي الإعاقات التعليم بشكل منهجي مستمر، وتبعا لطبيعة إعاقتهم، فقد يلتحقون بالعمل مبكرا بوظائف وضيعة وفي بيئات سيئة بدون تدريب مهني"، ويصنف ذلك تحت مفهوم "أسوأ أشكال عمالة الأطفال".
ويضيف جهشان: "هناك صعوبة في رصد عمل الأطفال ذوي الإعاقة، لأن العمل يكون في الأماكن غير المرخصة والمنظمة رسميا". ويقول: "أثناء العمل تشكل الإعاقة سببا رئيسا لتعرضهم للعنف؛ ففاقدو السمع لا يستجيبون للأوامر، وبناء عليه يتعرضون للضرب والشتم، وبسبب صعوبة العثور على عمل لذوي الإعاقات فإن احتمال تركهم أو استقالتهم من العمل هو احتمال ضئيل حتى لو تعرضوا للعنف والإهمال، وهم نادرا ما يطلبون المساعدة عقب تعرضهم للعنف".
ويلفت إلى عمل الأطفال ذوي الإعاقات في التسول، معتبرا أنه "أكثر أماكن العمل شيوعا لهم، حيث يوضعون في الشارع للتسول دعما لأسرهم، وبعضهم يتم بيعه من قبل أسرته لآخرين في جماعات منظمة تمتهن التسول، وفي كلتا الحالتين فإن هؤلاء الأطفال عرضة للعنف لإبقائهم في الشارع من قبل من يستخدمهم، وأثناء وجودهم في الشارع يكونون عرضة للعنف أيضا من قبل عامة الناس كونهم فريسة سهلة لكافة أشكال الاستغلال".
ويضيف جهشان: "يتعرض الأطفال ذوو الإعاقات للعنف والتعذيب بهدف إظهارهم بشكل يثير الشفقة واستحقاق العطف من عامة الناس، وقد يتم تشويه الأطفال غير المعاقين وإحداث إعاقة بهم لنفس هذا السبب، أو إحداث تشويه في الطفل المعاق لإثارة مزيد من الشفقة".
ويؤكد وجود إمكانية لاستغلال الأطفال ذوي الإعاقة للعمل في "الدعارة" كونهم فريسة سهلة وغير قادرين على الرفض أو المقاومة، وخاصة الفتيات الصم وفاقدي النطق.
ويتابع: "نسبة انخراط الفتيات ذوات الإعاقة الجسدية أو العاطفية بالدعارة تبلغ ستة أضعاف غير المعوقات، وينطبق هذا أيضا على الفتيات في المصحات النفسية، كما أن الفتيات اللواتي يعانين من إعاقات نفسية في المؤسسات الاجتماعية المختصة برعاية الفتيات في نزاع مع القانون، هن أيضاً عرضة لأكثر من غيرهن لامتهان الدعارة".
وتضمنت الاستراتيجية الوطنية للأشخاص ذوي الإعاقة (2007-2015) دعوة لتفعيل "آليات عصرية في التدريس والعلاقة مع الأهالي ومتابعة تحصيل الطلبة من فئة ذوي الإعاقة في الميدان، وتوعية الأهالي والطلبة والمجتمع المحلي، مع مراجعة المناهج وتوفير التسهيلات"، حيث جاءت تلك كأولوية قصوى للحد من هجرة أطفال تلك الفئة لمقاعد الدراسة.