في الساحة الحمراء..العرض عسكري والحل سياسي !

تم نشره الجمعة 13 أيّار / مايو 2016 12:36 صباحاً
في الساحة الحمراء..العرض عسكري والحل سياسي !
محمد كعوش

شاهدت وتابعت العرض العسكري للجيش الروسي في ذكرى الانتصار على النازية ثلاث مرات ، لأنني كنت بحاجة الى مثل هذا المشهد كي أصدّق ، بالصوت والصورة ، أن العالم خرج من هيمنة القطب الواحد وعاد الى تعددية الاقطاب. العرض العسكري أعاد للساحة الحمراء مجدها وماضيها وهيبتها. وهي الساحة التي أطلق عليها الروس في الماضي اسم « الميدان الجميل « الى أن غلب عليها اسمها الحالي « الساحة الحمراء «.

هناك من يرجح أن الروس اطلقوا على الساحة الحمراء اسمها قبل انتصار الثورة البلشفية وحكم الحزب الشيوعي بعلمه الاحمر ، فهم يعتقدون ان الساحة اكتسبت هذا الاسم بعد مجزرة ارتكبها القيصر ايفان الرابع ( ايفان الرهيب ) في هذا المكان بعدما حوّل موسكو الى عاصمة جديدة لامبراطوريته مترامية الاطراف ، في منتصف القرن السادس عشر ، عقب سلسلة حروبه التوسعية.

وقف الرئيس بوتن ، يحيط به كبار المسؤولين وقادة الجيش وعدد من المحاربين القدامى ، يشاهدون باهتمام واعتزاز العرض العسكري الاضخم ، الذي كان بمثابة عرض عضلات وقوة عسكرية لروسيا الناهضة. المشهد حمل الكثير من الرسائل للأعداء والاصدقاء. ومن الساحة الحمراء خاطب بوتن قادة الدول الاخرى دعاهم الى الانضمام لجهود روسيا في محاربة الارهاب ، واعلن استعداد بلاده للمشاركة في بناء نظام امني دولي جديد.

هذا العرض العسكري الضخم ، لم يمنع موسكو من متابعة جهودها السياسية للتوصل الى حل سياسي للصراع في سوريا والازمات الاقليمية الاخرى. ففي الوقت الذي كانت فيه الدبابات الأحدث تعبر الساحة الحمراء صدر البيان الروسي–الاميركي المشترك بشان سوريا ، ومن اجل تجديد الهدنة وفرض التهدئة، وايصال المساعدات الانسانية للمناطق المحاصرة والمنكوبة. في الوقت ذاته أشار الرئيس بوتن الى ان الوضع في سوريا معقد جدا وامام الجيش الكثير ليفعله ، كما يأمل الرئيس الروسي أن يساهم التعاون بين موسكو وواشنطن في احداث تغيير في الاوضاع داخل سوريا.

ولكن رياح المعارك الاخيرة ونتائجها في حلب وريفها جاءت بما لا تشتهي سفن روسيا وطائراتها ، ولا في مستوى التفاؤل بالتنسيق الروسي الاميركي ، لأن الثابت والواضح أن في هذا التنسيق الكثير من الشوائب والخداع من الجانب الاميركي. صحيح ان موسكو مندفعة باتجاه التنسيق مع الولايات المتحدة، وهي تحاول كسب الوقت للتوصل الى حل في سوريا قبل انتهاء عهد الرئيس اوباما ، لأنها لا تراهن على موقف الادارة الجديدة في البيت الابيض ، وتخشى التصعيد المستقبلي في الملف السوري في عهد رئيس غير مضمون في سياسته الخارجية ، ولكن ما نراه على ارض الواقع اليوم لا يبعث على التفاؤل ولا الثقة.

نتائج الهجمات الاخيرة على حلب وريفي دمشق وحمص من قبل التنظيمات المتطرفة ( النصرة وداعش ) تؤكد أن هناك من استغل الهدنة ، التي كانت ثمرة للتعاون الروسي الاميركي ، وقام بدعم هذه التنظيمات الارهابية ومدها بالعتاد والسلاح والرجال، بعدما نجح الطيران الروسي ، قبل سحب بعض طائراته ، في شل الجزء الأكبر من قوات هذه التنظيمات وتدمير اسلحتها وتحصيناتها وبنيتها التحتية ، ولا شك أن الولايات المتحدة تعلم عن هذه التعزيزات وتعرف مصادر الدعم.

الحقيقة أن روسيا مندفعة الحماسة باتجاه التنسيق مع واشنطن ، من اجل تثبيت الهدنة واستئناف الحوار في جنيف املا بالتوصل الى صيغة لحل سياسي ، ولكن ما نخشاه ان النوايا الروسية لا تتطابق مع الاهداف الاميركية ، رغم ابتسامة جون كيري والكلام الاميركي المعسول ، حول الحرب على الارهاب. وما نخشاه ايضا أن يستمر دعم التنظيمات الارهابية ومساعدتها على التقدم بهدف احداث تغيير على الارض يساعدها على تقوية موقفها التفاوضي وفرض شروطها ، أو رفع سقف مطالبها ، او يمكنها من افشال الحوار ، كما حدث في جنيف مؤخرا. في ذلك الوقت ستدرك موسكو ان الطريق الى جهنم مرصوف بالنوايا الحسنة... والحلول السياسية الوهمية !

(الرأي 2016-05-13)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات